سعود عبدالعزيز الجنيدل
وضع العالم اللغوي جاكوبسون ستة عناصر يقوم عليها مخطط التواصل، وهي: المرسل، المتلقي، الرسالة، السياق، قناة الاتصال، والشفرة، فالسياق هو المقام، والرسالة هي النص - العبارة - المقال، وقناة الاتصال هي المشافهة أو الكتابة، والشفرة هي المعنى المقصود.
ويلعب السياق - المقام- دواًر مهماً في فهم المعنى المقصود، إذ يصعب تحديد المعنى من دون النظر إلى السياق الذي حمل الكلام.
وفي هذا المثال سأستحضر أمثلة عدة لكي تبرهن على الدور المحوري الذي يؤديه السياق.
المثال الأول: كم الساعة؟
هذا سؤال اعتيادي نسمعه كثيراً في حياتنا اليومية، لكنه قد يحمل معاني عدة بناء على السياق الذي قيل فيه، فمثلاً: قد يكون سؤالاً حقيقياً يسأل به عن الوقت، كأن تسأل أحداً صادفك في مكان ما، وقد يكون سؤالاً توبيخياً، لا يقصد منه قطعاً معرفة الوقت، فمثلاً: موظف ما تأخر عن عمله، وواجه رئيسه قائلاً له: كم الساعة؟ فلا يتصور أن رئيسه يحتاج إلى معرفة الوقت، أو أنه لا يعرف الوقت، فالسياق هنا يخبرنا أن هذا السؤال عبارة عن توبيخ وملامة؛ لكون الموظف متأخراً عن وقته المعتاد، فبالتالي سيبادر الموظف بشرح الأسباب التي دفعته إلى التأخير، ولا يعقل أن تكون إجابته على السؤال بقوله: الساعة كذا وكذا...إلخ.
وكذلك قد يكون معنى السؤال تعجبياً إنكارياً، كأن يقول أحد الأصدقاء لصديقه، والوقت متأخر، دعنا نذهب إلى المكتبة! فيبادره صديقه منكراً ومتعجباً من اقتراحه، كم الساعة الآن؟ فالمعنى الضمني في هذا السؤال، كيف تقترح هذا الاقتراح، وأنت تعلم أن الوقت متأخر وغير مناسب، إضافة لكون المكتبة مغلقة...
وهناك أمثلة كثيرة نستخدمها في حياتنا اليومية، تدل على تلك المعاني، وغيرها وليس المقام هنا هو حصر كل المعاني المحتملة التي يستلزمها أو يفرضها مقام معين.
والسياق «CONTEXT» ليس حكراً على اللغة العربية، فكذلك اللغة الإنجليزية - ومن يعلم قد تكون اللغات الأخرى كذلك - يعتمد معناها على السياق الذي قيلت فيه، فمثلاً لو قال قائل ما: «what a day - a movie - a surprise»، فهذا يحتمل معاني عدة، فمثلاً قد يكون اليوم في معظمه سيئاً، فيسأله صديقه عن يومه ماذا صنع فيه، فيقول: «what a day» بمعنى أنه يوم شاق متعب، وعلى النقيض تماماً قد يكون يومه رائعاً، فيقول هذه المقولة، وباقي الأمثلة تحتمل معاني أخرى كذلك.
ويمكن القول إنه إضافة إلى السياق وتأثيره في المعنى، هناك كذلك التنغيم، والنبر، فطريقة النطق تدل على المعنى، وتعابير الوجه كذلك.
وللأسف فإن مساحة المقالة شارفت على الانتهاء، ولكن دعوني أختم بكلمات عدة، وسأترك معانيها لكم، في سياقات تمر علينا كثيرًا في الحياة اليومية:
« ذكي- ربة بيت - رجال - سنعة - كريم -».
قد نتفق أو نختلف على السياقات التي تحملها هذه الكلمات، ولكن ما هو مؤكد أننا سنتفق على بعض هذه السياقات، التي لن أتكلم عنها، لأني دائماً ما أقول علينا أن نقول وعليكم أن تتأولوا.