رقية سليمان الهويريني
كان أول ظهور لشخصية ميكي ماوس في فيلم «القارب البخاري»، وذلك في قاعة كولوني ثياتر بمدينة نيويورك في نوفمبر 1928، وقد حقق نجاحاً كبيراً، ولم تتعدَ مدّته ثماني دقائق، رغم أنه استغرق من الرسام الأمريكي «والت ديزني» أسابيع طويلة، فضلاً عن استهلاكه مئات الأوراق وعشرات أقلام الرصاص، في وقت كانت الرسوم المتحركة عالماً جديداً، وتنفذ بأسلوب بدائي جداً.
لم يكن والت ديزني هو الناجح الوحيد، بل كان يقود فريق عمل ناجحاً من ضمنهم الرسام أوب إيوركس، وبعد نجاح الفيلم الأول تحمس الفريق ليقدّم في نفس العام فيلماً آخر هو «الطائرة المجنونة»!
والطريف أن ملامح ميكي ماوس لم تكن كما هي بالصورة الحالية، فقد كان الفأر الشقي هزيلاً، لا يتحرك بالرشاقة المعروفة الآن، حيث لم تتوافر أدوات التكنولوجيا الدقيقة والإبداع والتنفيذ المتقن.
وفي هذا الشهر، أكمل ميكي ماوس عامه التسعين، ورغم كبر سنه ما زال نشيطاً وذكياً، ولم يصب بالشيخوخة أو يناله الخرف، لأنه ببساطة شخصية خيالية لا تكبر ولا تمرض ولا تموت، ولا تعبر الزمن وتتأثر بعوامله. بل العكس، فتأثير التكنولوجيا الحديثة يجعلها أفضل، وأجمل وأزهى وأكثر جاذبية طالما تتجدد الشخصية وتستحوذ على الإعجاب!
وكي لا يسخر أحد من فحوى المقال؛ فإن «ميكي ماوس» لا يصور خفة الدم والظرافة، بل كان يمثل المثابرة والمشاكسة وطول النفس، وهي الرسالة الموجهة للمشاهد والهدف من انطلاقها. رغم أنه بالأصل حيوان منبوذ تتقزز منه النفوس، بينما حوّله ديزني إلى شخصية «جذابة» لا تأنف من حملها ومداعبتها. ولذلك ظهرت الشخصية في عدة أفلام ناجحة، وتحوّلت إلى هوسٍ عالمي واسع وأحبه الكبار والصغار، وطبعت صورته على طوابع البريد والملابس والأطباق وألعاب الأطفال.
ورغم أن الفأر الحقيقي لا يعيش أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن والت ديزني جعله يتحدى المنطق والواقع ليعيش تسعين سنة.
كل عام وأنت بخير يا ميكي، وأعواماً مديدة يا صديقي اللطيف!