د. حمزة السالم
يطلق لفظ الثمن على وصفين، كلاهما مقصود لغة وعُرفاً. الأول هو التسعير والثاني هو القيمة.
فالتسعير هو التثمين. فيُقال كم ثمن هذا؟ وهل ثَمّنت هذا (أي هل سعرته)؟ وفلان سيقدم لك ثمناً أفضل، أي سعراً أفضل. وفاوض فلان على الثمن، أي فاوضه على السعر. فمقصود الثمن كتسعير هو أن يكون وسيلة مقياس واضحة وثابتة في المعاملات التبادلية لقيم السلع والخدمات ونحوها.
وأما القيمة، فهي العوض عن الشيء ويدل لفظ الثمن عليها. فيُقال هل قبضت الثمن حالاً أو مؤجلاً، أي هل تسلمت القيمة من دراهم أو فلوس في يدك أم ستتحصلها منه بعد زمن. وكذا تقول لا تسلمه البضاعة حتى تقبض الثمن. وتسأله هل الثمن بالكاش أم بشيك؟ وإذا كان بشيك، فلا توقع على تسلم الثمن إلا أن يكون شيكاً مصدقاً. أي لا توقع على تسلم القيمة من دراهم أو فلوس بواسطة شيك إلا أن يكون شيكاً مصدقاً من البنك. فمقصود الثمن كقيمة هو أن يكون عِوضاً.
ومن خواص الأثمان، كونها نادرة نسبياً. فمن أسباب عدم صلاحية كون التراب والصخور الترابية أثماناً، كونها ليست نادرة.
والندرة النادرة تصبح عائقاً وقيداً على الإنتاج، لذا كانت الفضة إلى القرن الثامن عشر هي النقد الأغلب، حتى توفر الذهب بعد اكتشاف أمريكا. وطفرة إنتاج الآلة أعجزت وفرة الذهب، فلم يصبر الذهب على الصمود لوحده، فلم يطل تربعه على عرش العملات، حتى أطاح به نظام التعويم للعملات.
ومن هنا يتبين أن ما يردد كثيراً في الاقتصاد الإسلامي عن مصطلح توليد النقود وأن هذا ظلم ودمار، لا حقيقة له مطلقاً ومتناقض في أصل أطروحات مُنَظِريه. فالصحيح أن حتمية محدودية الأثمان وندرتها هو الإشكالية، وهو سبب النكسات الاقتصادية، وهو ما يسمى بعدم وجود السيولة. فإن شحت السيولة توقف الإنتاج فانتكس الاقتصاد.
ولا يُظن أن هناك تناقضاً في قولي، فالندرة من خصال الثمن فكيف تكون الندرة هي الإشكالية، (أي نقص السيولة). فالمقصود هو عندما تكون الندرة جبراً لا خياراً، فالعملات اليوم نادرة، ولكن ندرتها بخيار من البنك المركزي، فهو يحافظ على ندرة نسبية، تناسب كمية الإنتاج، وذلك من أجل ان تحافظ على قيمتها.
أما الأثمان السلعية القديمة، كالذهب والفضة والنحاس، فندرتها خارجة عن تحكم البنك المركزي. فهي لا تزيد بزيادة الإنتاج ولا تنقص بنقص الإنتاج، مما فيسبب نقص السيولة خنقاً للاقتصاد في حال صعوده، وإغراقاً له بالسيولة في حالة ركوده. ولذا كانت تطول مراحل الكساد قديماً وتتكرر كثيراً في بلاد العالم.
والعجيب أننا نسمع كثيراً في أطروحات الاقتصاد الإسلامي ما يسمونه «ظلم توليد الأموال». فإذا سألت وأين الظلم؟ ولم هو ظلم؟ رأيته مبهوتاً صامتاً لا يدري جواباً! فهل هناك من نعمة أعظم من نعمة أن تتوافر النقود وقتما تحتاجها الأمة.