صندوق أوبك للتنمية الدولية، المعروف اختصاراً باسم (أوفيد) منظمة اقتصادية إنمائية دولية أنشأتها الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في عام 1976 كمجرد حساب دولي مشترك باسم (صندوق أوبك الخاص) لتقديم المعونة للدول النامية، ثم تحول في عام 1980 إلى منظمة دولية ذات شخصية قانونية اعتبارية مستقلة وباسمها الحالي والسعودية أكبر مساهم في الصندوق.
ويهدف الصندوق إلى دعم التعاون المالي بين الدول الأعضاء في أوبك والدول النامية الأخرى من خلال تقديم الدعم المالي على شكل قروض بشروط ميسرة لتمويل المشاريع والبرامج التنموية ودعم موازين المدفوعات والمشاركة في تمويل شركات القطاع الخاص في البلدان النامية ودعم القطاع التجاري في هذه البلدان عن طريق تقديم القروض الإنمائية والضمانات، وكذلك تقديم المنح دعماً لمساعدات التقنية والمعونات الغذائية والأبحاث والأنشطة المماثلة والإغاثات الإنسانية في حالات الطوارئ والمساهمة في موارد المؤسسات الإنمائية الأخرى التي يعود نشاطها بالنفع على البلدان النامية، ولا يحق للدول الأعضاء في أوبك الحصول على مساعدات الصندوق، وتحظى الدول الأقل نمواً بالأولوية، ومن ثم فهي تحظى بالنصيب الأكبر من مساعدات الصندوق، ويتميز عن الصناديق الدولية المماثلة، أنه في أدائه لأعماله مجرد من الأغراض السياسية رغم اختلاف التوجهات السياسية والفكرية للدول الأعضاء في الصندوق.
وتتكون إدارة الصندوق من المجلس الوزاري، ويتألف من وزراء المالية في الدول الأعضاء، ويعتبر السلطة العليا للصندوق، ومجلس محافظين، ويتولى الإشراف على جميع عمليات الصندوق، ومدير عام، والذي يرأس الجهاز الإداري للصندوق، ويعد المسؤول التنفيذي وممثل الصندوق القانوني.
وبترشيح من الحكومة السعودية، تولى المواطن السعودي الأستاذ سليمان جاسر الحربش منصب مدير عام الصندوق لمدة خمسة عشر عام (من 2003 إلى 2018) وهي أطول مدة شغلها حتى الآن مدير عام في تاريخ الصندوق، وأحسب أن اسم سليمان الحربش سوف يحتل مكانة متميزة في تاريخ الصندوق، حيث نقل منصب المدير العام نقلة نوعية بنشاطه وحركته الدؤوبة وحرصه على المتابعة الميدانية للأعمال والمشروعات التي يمولها الصندوق وبراعته في إقناع المجلس الوزاري بالموافقة على تمويل الصندوق للعديد من المشروعات والبرامج الإنمائية في الدول النامية حتى أصبح الصندوق من أهم مؤسسات التمويل الدولية.
ولا يتسع هذا المقال لسرد شامل لجميع إنجازات الصندوق في عهد سليمان الحربش وإنما أكتفي بالإشارة إلى إنجازين مهمين؛ الأول مهم لتعلقه بقضية العرب الأولى، إذ أصبح الصندوق من أكبر الداعمين لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، ولقد شرح الأستاذ الحربش دور الصندوق في دعم الشعب الفلسطيني ومساعدته في مقاومة إجراءات الاحتلال الإسرائيلي في مقال له منشور في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 11 يناير 2018 بعنوان: (بالأفعال قبل الأقوال نحمي زهرة المدائن).
حيث أشار فيه إلى أن (أونروا) تلقت نحو ربع مساعدات المنح التي قدمها (أوفيد) لدعم الشعب الفلسطيني طوال العقود الأربعة الماضية، ويشمل ذلك تقديم الدعم للمستشفيات والمدارس، وتحسين البنية التحتية في القدس، وبالتالي الإبقاء على الوجود العربي فيها كما قدم (أوفيد) الدعم لسجل الأمم المتحدة بشأن أضرار الجدار العازل، وهو هيئة موكلة بتوثيق الأضرار التي تكبدها الفلسطينيون في منازلهم ومزارعهم وسبل معيشتهم جراء بناء الجدار العازل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية والمناطق المحيطة بها، والصندوق هو ثالث أكبر مانح لهذا السجل، وقد حول الآلاف من عمليات توثيق الأضرار التي ينهض بها فريق متخصص يعمل على تقديم المساعدة إلى المتضررين في إتمام أوراق شكاواهم، وهذا السجل ينقل جميع الملفات وملحقاتها إلى مخزن مؤمن في مقر الأمم المتحدة بفيينا، ويحتفظ بها لاستخدامها في المستقبل عند فتح ملف التعويضات ورد الحقوق لأهلها.
كما أسهم الصندوق في مشروع ترميم مساكن العرب المقدسيين في القدس القديمة، مسلمين ومسيحيين، لتجنيبهم الطرد ومصادرة منازلهم ومساعدتهم في مواجهة إجراءات تهويد القدس.. ومساهمة أوفيد في دعم الشعب الفلسطيني من الحقائق المغيبة في الإعلام العربي.
والإنجاز الثاني الذي يسترعي الانتباه هو اهتمام أوفيد بموضوع فقر الطاقة ووضع إستراتيجية من أجل القضاء على هذا الفقر، والتي تعتمد على ثلاث ركائز أساسية، أشار إليها الأستاذ الحربش في كلمته أمام مؤتمر الطاقة العربي الحادي عشر؛ وهي: الدعوة من أجل حشد التأييد العالمي للقضاء على الطاقة، واتخاذ الطاقة كمحور لأنشطة أوفيد على أرض الواقع، وبناء التحالفات مع الكيانات كافة من أصحاب المصلحة بما في ذلك منتدى الطاقة العالمي وصناعة الطاقة.
ولقد استأثرت الدول العربية بنحو 4.5 في المائة من مساهمة الصندوق في هذا المجال، وهو ما يعادل 1.5 بليون دولار لتمويل 14 مشروعاً للطاقة التقليدية، فضلاً عن 15 مشروعاً للطاقة المتجددة في عدد من الدول العربية من بينها مصر والسودان والأردن واليمن وتونس والمغرب وفلسطين.
لقد صدق وزير المالية الكويتي السابق السيد/ عبداللطيف يوسف الحمد؛ عندما قال إن الأستاذ سليمان الحربش قد وضع (أوفيد) على خارطة المؤسسات التنموية الناجحة والمقدرة من المستفيدين والمؤسسات الزميلة العربية والدولية، ولذلك لا غرو أن يحصل الأستاذ الحربش أثناء عمله في الصندوق على عدد من الأوسمة والميداليات من بعض الدول؛ عرفاناً وتقديراً لجهوده في تحقيق أهداف (أوفيد) بكل تجرد وحيدة وموضوعية.
لقد غادر الأستاذ سليمان الحربش موقعه بعدما أدى الأمانة، وبدأ مرحلة استراحة المحارب، وتسلم إدارة الصندوق من بعده مواطن سعودي آخر هو الدكتور عبدالحميد الخليفة الذي نرجو له التوفيق والسداد.
** **
خالد أحمد عثمان - محام ومستشار قانوني