عبدالعزيز السماري
لا تزال المقولة الشهيرة المنسوبة للشاعر الإنجليزي (روديارد كبلنغ 1865- 1930)، والمولود بالهند، والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1907، « الشرق شرق والغرب غرب.. ولن يلتقيا «، تحمل مصداقية كبيرة في مضمونها الفلسفي بسبب التباين الثقافي والعلمي والاجتماعي والسياسي بين العالمين، ولهذا عندما راقب عن بعد الخطابين الإعلامي الغربي والشرقي نكتشف حجم تلك الهوة بين الجانبين.
ومن أجل فهم أكثر للعقل السياسي الغربي الذي يعيش في أجواء ديموقراطية إعلامية، استكشف درو ويستن، أستاذ علم النفس والطب النفسي في جامعة إيموري، أن نظرية العقل قد تختلف اختلافاً كبيراً عن المفاهيم «الأكثر انفتاحاً»، و التي يبشر بها معظم علماء النفس المعرفي، وعلماء السياسة، والاقتصاديين، والإستراتيجيين للحملات الديمقراطية في الغرب.
فكرة العقل كآلة حاسبة باردة تحكم القرارات من خلال وزن الأدلة، ولا علاقة لها بالكيفية التي يعمل بها الدماغ، ولذلك عندما يتخذ السياسيون قرارات تستند إلى «القضايا»، فهم يخسرون بالطبع، و عندما يتصادم العقل والعاطفة، تفوز العاطفة بثبات، ولهذا السبب تدور سباقات الانتخابات في سوق العواطف، وفي سوق مقنن ومليء بالقيم والصور، والقياسات، والمشاعر الأخلاقية، والخطابة المتحركة، والتي يلعب فيها المنطق دورا داعما فقط، وقد خاض ويستن رحلة طويلة تقترب من خمسين سنة من الانتخابات الرئاسية والانتخابات الأمريكية..
أثار درو ويستن سؤالاً عن سبب نجاح الحملات أحياناً، وفشلها في أحيان أخرى، وتوصل أن ثلاثة أشياء تحدد كيف يصوت الناس لمرشحهم : مشاعرهم تجاه الأحزاب ومبادئها، ومشاعرهم تجاه المرشحين، وإذا لم يقرروا بحلول ذلك الوقت، فإن مشاعرهم تجاه مواقف المرشحين تحسم الجولة بين العقل والعاطفة.
ويعني ذلك أن أجواء السياسة الغربية تحكمها في واقع الأمر سباق إعلامي فرسانه الصور و مشاهد إثبات النزاهة أمام المرشحين، فهي الإطار الرئيسي والمقنن لهذا التنافس، والذي يحرس دوائر الصراعات المقررة، وتعني الالتزام الثابت للمرشح بالمبادئ المعلنة، كقيمة جوهرية وملزمة للمرشحين..
أثبتت الأيام أن للنزاهة دورا رئيسيا كمحدد مفصلي للأداء الوظيفي في مختلف المجالات، وسمة مركزية للقادة الفعالين، وكمحدد للثقة في السياسة، وعند متابعة الصراع السياسي في الغرب ستجده أقرب إلى سباق للتفتيش في سمات المرشح، ولذلك تقوم الحملات السياسية للمرشحين على اللعب على شخصية المنافس، وهل توجد ثغرات في سجله الوظيفي.
إشكالية الشرق أنه يقيم السياسة الغربية من خلال أفكار و منظار متعصب وسلطوي وأحادي لدرجة كبيرة، وهو ما يجعلهم في مدارات إنسانية أقل تطوراً، ولهذا يخسرون معاركهم مع الغرب الديموقراطي، فالتعصب للرأي من أكبر آفات البشرية، سواء كانوا قادة أو متابعين، و المتعصبين هم الأشخاص الذين ينغمسون في طقوس من الثقة العمياء بغض النظر عن ميزان العقل، و بأنهم يتمتعون بوصول فريد إلى الحقائق المطلقة، والحقائق هي تلك تم فرضها على الجميع..
كان وصول مرجعية القانون وأجواء الليبرالية الديموقراطية إلى أن تكون البرنامج والهيكل الذي تتحرك من خلاله قوى السياسية الغربية حاسماً في إدارة صراعاتهم مع الآخرين، وهي أجواء لا يمكن على الإطلاق التحكم بها من خلال خطاب سياسي محدد، ولهذا السبب خسرت ألمانيا النازية الحرب، وسقطت الأنظمة الشمولية بمتوالية كسقوط كأحجار الشطرنج، ثم التحاقهم بتلك الأجواء التي كانت بمثابة العلاج الحاسم لشيخوخة السياسة ولتعصبها القاتل..
لهذا السبب تفشل أصوات الإعلام في الشرق عند محاولة التواصل مع الإعلام الغربي، والسبب أن مقولة الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا، لا تزال تشخص الواقع، وتجعل من الخطاب الإعلامي في الشرق أقرب للأنشودة الصباحية في طوابير المدارس التقليدية..