محمد سليمان العنقري
عندما انفجرت الأزمة المالية العالمية قبل عشرة أعوام اتهمت صناديق التحوط أنها من بين أكبر المتسببين بها بسبب استثماراتها بالمشتقات المعقدة بالأسواق ودورها المؤثر في توجيه الأسواق فهي صناديق لا تخضع لأي رقابة ومعفاة من كثير من اللوائح المنظمة للأسواق أي أن هيئات الأسواق والسلع لا تراقبها وهي أيضاً محدودة الشفافية ولا تعرف تفاصيل مكونها بعكس صناديق الاستثمار الأخرى.
ظهر أول صندوق تحوط قبل 70 عاماً لكن منذ التسعينيات بالقرن الماضي زاد الاهتمام بها لترتفع من نحو 500 صندوق إلى عشرة آلاف حالياً تدير قرابة ثلاثة تريليونات دولار أمريكي، أما عوائدها فبلغت في آخر 25 عاماً نحو 14 في المائة تقريباً كمتوسط سنوي وهو معدل مرتفع يفوق أي صناديق أخرى.
فخطورة هذه الصناديق باتت تستوجب تدخلاً دولياً لتنظيم عملها وأحكام الرقابة عليها فهي فعلياً من أكبر المتسببين بإشعال المضاربات نظير استثماراتها بالمشتقات المالية وهي لا تبالي بالآثار على اقتصاديات الدول ما يهمها هو الربح وتشير كثير من الدراسات حولها أنها انتقلت من مرحلة توقع اتجاهات الأسواق إلى قيادة اتجاهها سواء المالية أو السلع بل حتى العملات فهبوط سعر النفط الأخير بنحو 30 في المائة تعد هذه الصناديق هي من قادته وهي من لعبت الدور الأكبر برفع الأسعار بذات النسبة خلال هذا العام كتوقع لآثار فرض العقوبات على إيران وعندما أعفيت 8 دول لمدة ستة شهور من تلك العقوبات على صادرات إيران النفطية كمحاولة أمريكية لكبح جماح الأسعار قامت تلك الصناديق بقيادة تصفية المراكز للعقود المستقبلية للنفط دون اكتراث بما سيكون لذلك من أثر على الاقتصاد العالمي فهي عندما لعبت الدور الأكبر برفع الأسعار السريع لم تكترث لأثر ذلك على المستهلكين والتأثير السلبي المحتمل على نمو الاقتصاد العالمي وعند الهبوط أيضاً هي تؤثر في إيرادات المنتجين خصوصاً الدول وخططهم الاقتصادية بل وفي حال استمر الضغط على سعر النفط فإن كثيراً من الاستثمارات بقطاع النفط ستؤجل وهذا له أثر سلبياً في شح الإمدادات بعد سنوات قليلة مما يعيد الأسعار للارتفاع الكبير ويكون لذلك نتائج سلبية على الاقتصاد العالمي واستقرار الاستثمار بالطاقة ومثال ما حدث بأسعار النفط ينطبق على دور تلك الصناديق بكل الأسواق مما يعد خطراً كبيراً على العالم فالتلاعب بأسواق السلع الغذائية برفع الأسعار مثلاً سيكون له نتيجة خطيرة على الدول الفقيرة تؤدي لعدم استقرار مجتمعاتها.
صناديق التحوط خطر داهم ويكبر تأثيره بسرعة مما يستوجب من دول مجموعة العشرين أن تدخل هذا العالم الغامض من الاستثمار وتعيد تنظيمه لمنع التلاعب بتوجهات الأسواق ومنع التأثير السلبي على اقتصاد الدول وإشاعة القلق بالأسواق وتوجيه سيولة الناس نحو الأفخاخ التي ينصبوها لهم بتعظيم الفقاعات وقيادة توجهات الأسواق وبالتالي التحكم باقتصاد الدول فهم باتوا قوة شبه موازية للدول ولا بد من تحجيم أدوارهم قبل أن يصبحوا قوة أوسع نطاقاً وقدرة حتى بالتأثير على سياسات دول كبرى وصغرى والعبث باستقرار الشعوب.