م. خالد إبراهيم الحجي
إن النفوذ السياسي يعتبر من الدروس المستفادة من صُناع السلام الذين يؤثرون في صياغة القرارات الدولية، ويطبق بين دول العالم في حل القضايا الدولية المهمة، وقد أصبح نهجاً تتميز به أكثر الدول المؤثرة على الساحة العالمية، ويُعرف بأنه القوى الناعمة من جميع الوسائل السلمية لقدرات الدولة المتعددة في مختلف الجوانب الحضارية والاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية والسياسية التي يمكن أن تستخدمها للتأثير على المؤسسات والهيئات العالمية، وكسب التأييد من الدول المؤثرة الأخرى وخاصة الدول العظمى المؤثرة على المسرح العالمي بدءاً من العلاقات الدبلوماسية المتبادلة للوصول إلى لغة التفاهم التي تحقق الإقناع في صياغة القرارات الدولية المؤثرة والمواقف العالمية التي تحدد آراء واتجاهات الدول المختلفة وتحقق مصالحها المشتركة والوقوف معاً جنباً إلى جنب للوصول إلى مذكرات التفاهم النافعة، وعقد الاتفاقيات المفيدة، والشراكات الإستراتيجية المهمة، والتحالفات الأمنية والعسكرية القوية لمواجهة الاضطرابات الإقليمية والأخطار الإرهابية.
والميزة الكبرى لاستخدام قوة التأثير السياسية أنها لا تكلف الدولة التي تستخدمها مبالغ رأسمالية نقدية أو قوة عسكرية، ولا تكبدها خسائر بشرية لتحقيق مصالحها الوطنية. والمملكة العربية السعودية تسعى دائماً للمحافظة على قوة نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي بالوسائل والطرق التالية:
(1): حُسن استغلال موقعها الجغرافي الإستراتيجي في إقليم الشرق الأوسط الذي حباها الله به، وأنعم عليها بتوسطها بين قارات العالم القديم (آسيا وإفريقيا وأوروبا)، وخصها بالإشراف على ممرات بحرية حيوية دولية إستراتيجية عبر الخليج العربي والبحر الأحمر.
(2): إقامة الشراكات الإستراتيجية مع الدول العظمى المؤثرة مثل الشراكة السعودية الأمريكية التي بدأت قبل (80) عاماً في القمة التي جمعت بين الملك عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي روزفلت على متن الطرَّاد (يو. إس. كوينسي) واستمرت حتى اليوم.
(3): الدخول في المنظمات الدولية المؤثرة مثل: عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وفي مجلس حقوق الإنسان لمنظمة العفو الدولية، وفي كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ضمن أقوى عشرين دولة تمتلك حق التصويت في كل منهما، وعضويتها في منظمة الأوبك، ومجموعة العشرين الاقتصادية.
(4): توفير الدعم الكبير للهيئات الإنسانية منذ أن أسست المملكة مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية التنموية والخيرية الذي امتدت أعماله الإغاثية إلى اليمن، ومخيمات اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وإلى جميع مختلف دول العالم مثل لبنان والأردن ومصر وتونس والنيجر وموريتانيا وأفغانستان والباكستان دون تمييز بين الأديان والأعراق، وتقديم المساعدات النقدية والعينية على شكل منح خيرية وإنسانية وقروض ميسرة لتشجيع التنمية في الدول النامية.
(5): الحنكة السعودية في تفهم الاختلافات الشاسعة بين حضارتها وتاريخها ومكانتها العربية والإسلامية وبين حضارات الدول الغربية المختلفة، وتقدير التنوع الثقافي والاجتماعي الذي يدفع التقدم الإنساني والحضاري؛ لأن جذور المملكة الأصيلة عربية إسلامية وليست شرقية ولا غربية، كما أنها تنفرد بخدمة الحرمين الشريفين قبلة المسلمين في جميع أنحاء دول العالم، والتميز في الرؤية العقلانية للشئون العربية والإسلامية، والمصداقية الدبلوماسية، والثبات على المواقف السياسية النزيهة والمبادئ الإنسانية الأصيلة والقيم الإسلامية المعتدلة؛ فأجمعت كثير من دول العالم التي تعاملت مع المملكة على أنها لم تلمس تفاوتاً أو تبايناً أو تناقضاً في الدبلوماسية السعودية المتأنية المحسوبة، وأكدت على التطابق الدائم بين أقوال المملكة مع أفعالها على أرض الواقع.. لذلك عززت المملكة مكانتها بين دول العالم، ولعبت دوراً مؤثراً وفعالاً في المحافظة على التوازن الاقتصادي والتأثير السياسي على المستوى الإقليمي والصعيد العالمي، واكتسبت التأثير الفعال في منطقة الخليج والشرق الأوسط وفي معظم دول العالم؛ فحظيت بالاحترام الحضاري والتأييد السياسي من الدول العظمى.
الخلاصة:
إن القوة الاقتصادية والحنكة القيادية أساس القوة الدبلوماسية والنفوذ السياسي.