د.فوزية أبو خالد
كان يوم الأحد الماضي من هذا الأسبوع بتاريخ 25 نوفمبر 2018 تحت نداء «اتحدوا - قل لاااااااا» يوم برتقالي بامتياز وهو اللون الرمزي لليوم العالمي لمواجهة العنف ضد النساء. وهذا اليوم بحسب تقويم الأمم المتحدة من سجل الأيام التي ترصدها هذه المنظمة الدولية على مدار العام لأيام لما يمكن تسميته بأيام «التوعية الحقوقية والضبط القانوني والاستنفار الضميري» عبر قارات العالم دولا ومجتمعات مثل اليوم العالمي للطفل واليوم العالمي للشباب واليوم العالمي للنساء واليوم العالمي لذوي الحاجات الخاصة ومتحدي الإعاقة واليوم العالمي للعمال واليوم العالمي للمرضى بل واليوم العالمي لمكافحة التدخين واليوم العالمي لمكافحة العنصرية.
ويبدو لي أنه يمكن استشفاف وتحديد عدد من الأهداف لعملية رصد مثل هذه الأيام سنويًّا التي في الغالب يكون قد سبق تسمية كل يوم منها عمل عميق وجهد مكثف على صعيد التحقق والدراسة وعلى صعيد التدوين والتقنين والتشريع الأممي للقضية التي يمثلها كل يوم من الأيام المعنية بما يتمثل في وثائق الأمم المتحدة الحقوقية مثل، وثيقة حقوق الطفل، وثيقة حقوق الإنسان قبلها، وثيقة حقوق النساء المسماة بالسيداوى CEDW.
الهدف الأول كما يبدو واضحًا من رصد مثل هذه الأيام هو تسليط الضوء على الواقع والاعتراف بالخط العريض بوجود «قضية ضمير عام» عالميًّا نتيجة لوجود وضع إشكالي معين تعاني منه هذه الفئة أو تلك في المجتمع العالمي وإن كان ذلك بشكل نسبي حسب طبيعة المجتمع وحسب طبيعة القضية، إلا أنه يشكل قضية ضمير عام كما يشكل إشكالية اجتماعية وسياسية عامة للمجتمع وليس إشكالية فردية وحسب أو إشكالية فئوية فقط وإن سقط الأذى على رأس فئة بعينها من مكون نسيج المجتمع كالشباب أو المرضى أو الأسرى أو الأطفال.
الهدف الثاني كما يبدو من إعلان الأمم المتحدة لهذا التقويم الحقوق هو هدف توعوي بحقوق هذه الفئة أو تلك ممن يحمل اليوم المخصص لها اسمها أو اسم قضيتها كاليوم العالمي للطفل أو اليوم العالمي لصعوبات التعلم أو اليوم العالمي للعمال. والتوعية هنا هو توعية شاملة أي توعية أممية للمجتمع والدولة ككل وتوعية الذات المعنية بالمواجهة نساء, عمال، سود. وهذا يعني نقل وعي المجتمع والدولة من حالة الحياد والنأي عن تلك الأوضاع الإشكالية إلى موقع المسؤول مسؤولية مباشرة عن معالجتها والتصدي لها. فالانتقاص من شأن النساء أو العنف ضد النساء مثلا ليست مشكلة النساء وحسب بل مشكلة مجتمع ودولة يجب مواجهتها على هذا الأساس. وهذه التوعية تشمل توعية الذات المعانية من ذلك الواقع الإشكالي فالعنف ضد النساء على سبيل المثال ليوم الأحد الماضي 25/نوفمبر وسنويا (يوم مواجهة العنف ضد النساء) لا يصبح مشكلة المرأة المعنفة حيث تلام فيه الضحية أو تتهم كما جرت العادة من قبل بـ «أنها جرت العنف على نفسها أو طولت لسانها أو استفزت الرجل أو..أو,...) بل تصبح مشكلة العنف ضد المرأة مشكلة المجتمع, وفي هذا فعلى المرأة المعنفة ألا تستكين وتتستر على جراحها وعلى جرم تعنيفها وعلى الدولة والمجتمع أن يكف عن لوم الضحية وأن يرقى لمسؤولية وقف العنف الموجه للنساء بكل أشكاله ودرجاته وسواء كان عنفٌ يحدث داخل محيط الأسرة أو من قبل أفرادها أو سواء كان عنف في المحيط العام كالعنف اللفظي الذي قد تتعرض له النساء في خارج المنزل في سيارة أو مواصلات عامة أو على الطريق أو سواء كان عنفًا داخل المؤسسات كعنف دور الرعاية أو عنف مواقع العمل الرسمي والأهلي. وهذا ينقلنا للهدف الثالث من أهداف مثل هذه الأيام الحقوقية كمثالنا في يوم وقف العنف ضد النساء وهو الهدف التشريعي. فمع أن عددًا من مواثيق الأمم المتحدة الحقوقية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو حقوق الطفل.. إلخ.. قد جرت المصادقة عليها من قبل عدد واسع من دول المجتمع العالمي الممثلة بوفود دائمة في الأمم المتحدة، فإن عددًا أقل بكثير من تلك الموقعة على مواثيق الحقوق من تقوم قولا وعملا باستنان قوانين واستحداث تشريعات في مجتمعاتها المحلية تكسب مصادقتها على وثائق الحقوق الأممية مصداقية حقوقية في تصحيح الأوضاع الإشكالية لديها مثل وضع النساء ككل، أو واقع العنف ضد النساء.. إلخ. ولهذا فإن وجود يوم مثل يوم مكافحةلعنف ضد المرأة يصبح مناسبة للتذكير بتجديد العهود مع تلك المواثيق عبر وضع تشريعات قانونية مفعلة في المجتمعات المحلية توازي ما نص عليه القانون الدولي لمواثيق الحقوق. ولهذا استقبل الأمين العام للأمم المتحدة يوم مكافحة العنف ضد النساء بكلمة أكد فيها على هذا المنشود: «لا يمكننا حقًا أن نقول إننا نعيش في عالم يسوده العدل والمساواة حتى يتمكن نصف سكاننا المتمثلين في النساء توعية وتقنينا من العيش في مأمن من الخوف والعنف ومن انعدام الأمن يوميا». أنطونيو جوتيريش
أما الهدف الرابع فهو إعادة تربية الضمير العام العالمي محليًّا إن صح التعبير أي أن تصبح قضايا الحقوق قضية ضمير محلي عام بقدر ما هي قضية ضمير عالمي عام.