د. خيرية السقاف
ذهبت لأحد مراكز الاتصالات السعودية في مجمع تجاري في قلب العاصمة الزاخرة بالحركة التجارية، وزحمة الرواد، وتنوع العرض، وصخب مقاهيها، وزحمة ممراتها، فلم أجد ما أريد هناك فدلفت خارجة من المجمع على الفور، على عتبته الرخامية الصقيلة، والمارة بمختلف ألوانهم، وأعمارهم بين جيئة وذهابا، لفت نظري خلال مروري المسافة وجود شابتين في مقتبل العمر وأخيهما، يقف الأخ، وإحداهما، بينما تجلس الأخرى على حافة الدرج عباءتها مشرعة على البلاط، ترتدي بنطالا قد حسرته عن ساقيها، تضع قدميها ساقا فوق أخرى، حاسرة غطاء الشعر، مطلية الوجه بألوان الأصباغ، تتحدث إليهما باللهجة الدارجة مطعمة بالإنجليزية، وتحتسي كوبا من القهوة، والأخرى، و يتجاذبون الحديث، الشاب كأنه أحد الممثلين الغربيين مظهرًا، وقصة شعر، بل حركة، وطريقة حديث، شئت أن أتحدث إليهم فقط للسؤال الذي يلوب في صدري: ما هذا الذي ذهب إليه هذا الجيل؟ ولم أفعل فيما نهضوا واتجهوا لداخل السوق وتركوا بقية وجبتهم السريعة على الأرض، لكنني تمكنت فقط من توجيه الطلب إلى الأخيرة فيهم، أن «ليس من اللائق ترك بقاياكم على الأرض»، وبمنتهى الأدب قالت: «أبشري من عيوني» انخفضت إلى الأرض، وحملت بقاياهم ثم لحقت بهم، بينما عربتي كانت قد تاخمت حد المكان..
زادني ردها ألمًا، وحسرة، فهذه الروح النقية، والدماثة الخلقية في داخل هذه الأجساد التي تحولت في زمن سريع إلى مسوخ من مجتمعات أخرى داهمتنا بغثِّها أكثر مما فعلته بنا بسمينها، إذ تسللت لثقافة الجيل بيننا، لمفاهيمهم عن الحرية الذاتية، لأفكارهم عن الحق الخاص، لقناعتهم بما يلبسون، وكيف يظهرون، بتحللهم من الضوابط في المظهر، وسواه..
ويتكرر هذا المشهد في الطائرة، والمطار، في المصحة، والطرقات، والمركبات، حتى في «مهرجانات» العزاء!!..
ترى إلى أين سيذهب الجيل الجديد، والأجيال القادمة وهناك خلط بين الأجاج، والعذب في كل هذا الكائن النامي كالنبتة في الحقول إما إلى جفاف، وإما إلى اخضرار..؟!