رجاء العتيبي
إيجاد مقرات مناسبة لممارسة الفنون الشعبية وفقًا لأصولها المعروفة لدى المؤرخين لهذا الفن، ورواده ومشاهيره، أمر مهم للغاية، في وقت لا نجد في المملكة مقرًّا متكاملاً يحوي احتياجات هذا الفن سوى اجتهادات هنا وهناك غير مكتملة. فيما يفتقر الكثير منها إلى تصاميم داخلية ومعمار خارجي يعكس طبيعة هذا الفن وفقًا لشروطها الفنية.
المقرات تكون نابعة من احتياجات هذا الفن ليكون المخرج النهائي أفضل مما هو عليه في الوضع الراهن، ذلك أن المقرات المهيأة تكون أقدر على استقطاب المدربين والمتخصصين والأكاديميين لتقديم معارفهم على شكل معلومات وبرامج تدريبية وبحوث أكاديمية، وبدون المقر والمحتوى لا يمكن أن نصل إلى نتيجة مرضية لهذا الفن.
لدينا آلاف الممارسين للفنون الشعبية بمختلف مناطق المملكة، ولدينا تنوع تراثي لا يمكن أن تراه في أي دولة إقليمية أخرى سوى مصر وبعض الدول المغاربية، ما يجعله واجهة حضارية لبلادنا يعكس جمال فنونها وتنوع ثقافتها وجمال إنسانها الذي يقدر هذه الفنون ويتفاعل معها أينما حل وأينما ارتحل.
تثبت الجنادرية في كل عام أننا نملك كنزًا لا يقدر بثمن من الفنون الشعبية والإيقاعات والأهازيج والرقصات، ينتظر مبادرات اقتصادية ليكون هذا الفن في أفضل عهوده التاريخية، ولا أظنه يحتاج إلى دراسة جدوى فالجماهير تتوقف عنده فترات طويلة وتبحث عنه في كل مكان، فهو يمثل لها: ذاكرة وهوية ومعنى.
هناك مبادرات ذات قيمة لدعم هذا الفن، حيث قامت جامعة اليمامة بتدريس (مقرر) التراث السعودي كمادة (حرة) للطلاب كأول جامعة تدرس المادة أكاديميًّا، ونرى في المقابل نادي التراث الشعبي بجامعة الملك عبدالعزيز، وجمعية التراث الشعبي بجامعة الملك سعود، ودار عنيزة للفنون الشعبية بمنطقة القصيم، ومركز العرضة السعودية بدارة الملك عبدالعزيز، وهناك جمعيات متخصصة وكيانات أخرى تدعم هذا الفن مثل: جمعية المحافظة على التراث، ولجان الفنون الشعبية بجمعيات الثقافة والفنون.
هذا لا يعني توقفنا عند هذا الحد، لأن غياب المقرات المتخصصة التي تخدم طبيعة هذا الفن ستكون عقبة في تطور الفنون الشعبية، وعندما نتحدث عن مقرات فإننا نعني ذلك: المقر المصمم وفقًا لثيمات الفنون الشعبية كـ (معمار خارجي) و(تصميم داخلي) ينطوي على مساحات ومعارض وخشبة مسرح ومدرجات وأنظمة صوت وإضاءة وورش عمل للملابس والديكور والتصاميم ومكتبة ثرية ومركز معلومات وأرشيف شامل ومركز بحوث, وبرامج سياحية تعطي لهذا الفن أهميته.
جهود كبيرة يبذلها المهرجان الوطني للتراث والثقافة طوال 33 سنة وسنراه قريبا ضمن قائمة التراث العالمي في مجال صيانة التراث، هذا المنجز الكبير يكتمل عندما توسع الجنادرية خدماتها لتشمل بناء مقرات متكاملة العناصر في كل مدينة في المملكة، بما يمثل روافد تراثية لها، على اعتبار أن التطوير عملية مستمرة لا تنقطع.