د. حسن بن فهد الهويمل
قال لي أحدهم، وقد أوجس في نفسه خيفة:-
- هذه الحملات المسعورة على المملكة: حكومة، وشعباً. من صنعها؟
- ولماذا صُنعت بهذه الاحترافية، وبهذا العهر، والتفسخ الإعلامي، والأخلاقي؟
- وهل لنا دور في صناعة الخصوم؟
- وهل نحن قادرون على الاحتواء، أو التحييد؟
- وهل نحن على استعداد للتصدي، والتحدي، والصمود؟
أسئلة تلهث وراء المجهول، وأخرى محبوسة في الصدور الخائفة، الوجلة.
قلت:- {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا }، و{لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأعلى}.
واللهِ لن يخذلنا الله أبدًا، وكيف يتخلى عن الذين مكَّن لهم في الأرض. فـ{أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ}.
وكيف يخذلُ الله من يحمل الكلَّ، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الدهر. وقدوتنا رسول الله:- {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ}.
دولة محسنة، و{إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
دولة صالحة مصلحة، تأخذ بأسباب الارتقاء، وإصلاح الذات، والآخر:- {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.
دولة واثقة بالله لا تُزعزعها الأقاويل، ولا تخذلها التخليات، تملك إرادة قوية، قوَّة الجبال الرواسي.
العظماء يشعرون بالعزة، والقوة، والجمال. وهم المُحسدون:-
[وَقَديماً كَانَ فِي النَّاسِ الحَسَدُ]
دعوى الحسد ليست هروباً من الواقع، ولا تنصلاً من المسوؤلية. إنها ناتج المنافسة غير المتكافئة.
العظماء لا يترددون، ولا يخافون، وكيف ينتابهم الخوف، والتردد، وعزماتهم كالإعلام المتجذرة الشوامخ:-
[أنا صَخْرَةُ الوَادِي إذا مَا زُوحِمَت]
منذ فجر الانهيارات العربية، المتمثلة بالانْقلابات العسكرية، والإعلام الأرعن، و[الربيع العربي] المشؤوم، ونحن على خط النار، أصابعنا على الزناد، وعيوننا على النجاد، الوِهاد. يد تلطم العدو، وأخرى تُبلسم جِراح الصديق:-
[لمّا وَضَعْتُ على الفَرَزْدَقِ مِيسَمِي..
وضَغَا البُعَيْثُ جَدَعْتُ أَنْفَ الأَخْطَلِ]
[الفرزدق] و[البعيث] و[الأخطل] رموز الشعر العربي، تَقَمَّصَ شخصياتهم مرتزقة يبيعون قدراتهم البلاغية، وكراماتهم الوضيعة بثمن بخس، ليقولوا منكر القول، وساقط الكلام، [رَمَتْنِي بِدَائِها وانْسَلَّت] ينطحون بقرونهم صخرات القيم، وقمم الشَّمم:-
[كَناطِحٍ صَخْرَةٍ يوماً ليِوُهِنَها
فَلَمْ يَضِرها وَأَوْهَى قَرْنَه الوعِلُ]
الوطن العربي يَعيش حالة من الهرج، والمرج بسبب تفككه، وخيانة أبنائه، وتهافتهم على بؤر التوتر.
خرجوا على قادتهم، ولم يملأ أحد منهم الفراغ:-
[أقِلّوا عَلَيْهِمْ، لا أبَا لأبِيكُمُ: من اللّوم، أو سدّوا المَكَانَ الَّذِي سَدُّوا]
ولما نَجَّى الله بلاد الحرمين من الفتن التي اجتاحت الوطن العربي، سيئت وجوه المفرطين في جنب أوطانهم، والمدَمَّرين لأمنهم، واستقرارهم، المتاجرين بمصالح أمتهم، فعمدوا إلى الفوضى على مبدأ:- [ عَلَيَّ وعَلَى أَعْدَائِي].
المملكة بما هي عليه تمثل تحدياً، وتعرية لكل المأجورين، والعملاء. سؤال الإحراج، والتحدي لكل أفاك أثيم:-
- ماذا ينقمون على المملكة، وماذا يريدون منها، ولها؟
إن كانوا يريدون الاستقامة على المأمور، فالمملكة تُحكِّم شرع الله، وتقيم شعائرة.
وإن كانوا يريدون الأمن، والاستقرار، وكرامة المواطن وحريته، فإن المملكة مستقرة، آمنة، مُتصالحة مع مُواطنيها.
وإن كانوا يريدون الإعمار، والحرث، والأخذ بوسائل الحياة المدنية فإن المملكة لديها [رؤية اقتصادية] مسبوقة بخطط خمسية، حولت المملكة إلى دولة حضارية، مدنية، آخذة بالأسباب، محققة أهلية الوجود الكريم، تقف بقامتها العملاقة مع [مجموعة العشرين] وهو منتدى اقتصادي، يمثل ثلثي التجارة في العالم. ويمتلك تِسعين بالمئة من ناتج الخام العالمي. ومهماتها الإصلاح، والتعزيز، والتحسين، والدعم، والتفعيل، لكافة المؤسسات المالية، والنظم، والاقتصاد العالمي.
دولة تتزعم العالمين الإسلامي، والعربي وتتصدر الاقتصاد العالمي، وتجهض أي تدخل أجنبي، وتتصدى لأي نفوذ طائفي، وتحمي حوزة الدين الصحيح من أي دروشة صوفية، أو عبث طائفي.
هذه الإمكانات، والمهمات لا بد لها من أعداء ينفقون أموالهم، وجهودهم، وأوقاتهم لتثبيط عزماتها:-
{يُنفِقُونَ أموالهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ}.
لا غرابة إذًا في تجنيد قنوات الضِّرار، ومواقع الأشرار لعرقلة المشروع الإسلامي، القومي الفعال.
[دول كبرى] تود مسايرة الغوغاء، وإرضاء الدهماء، وستر السوءات، ولكن مصالحها تكمن في المداراة، والحياد، والجزر، والمد، والمناورات الزائفة.
ليس المال وحده، وليس النفط وحده بالتي تهزم الجَمْع، إنها المكانة العالمية للمملكة. إنه العمق السياسي الذي يمتد لأكثر من ثلاثة قرون. إنه الإصلاح الحامي من الإهلاك.
إنها الهزائم، وخيبات الأمل التي مني بها الأعداء:-
من [حملة إبراهيم باشا] إلى المد الاشتراكي، والطوفان القومي، والعبث البعثي، والحقد الطائفي، والضغن الشعوبي، والعنتريات الانقلابية، التي أذلت الأمة العربية.
لقد أضاعت المهرجين، وأنستهم أنفسم لغة القطع:-
[قَدْ وَعَدْنَا الأسْمَاكَ أنَّانُرِيْهَا
مِنْ لُحُومِ اليَهُودِ لَحْمَاً طرِيَّاً]
لقد بشمت [دود] اللُّحودِ، و[أسماك] البحار، و[كلاب] المفازات الضالة من لحوم الأبرياء العُزل، والأطفال الرُّضَّع، والشُّيُوخ الرَّكَّع.
والنشاما يفتلون شواربهم في قصورهم المحصَّنة، ينعمون، ويُحبِّرون الخطب الرنانة، التي أوردتنا مهاوى الذلة، والمسكنة، وبئس الورد المورود.