رقية سليمان الهويريني
لم تكن الكبرى بين أخواتها ولا الصغرى، وحين بلغت سن الرشد انتبهت أن أمها كانت تتجنب طلبها المساعدة، ولو كانت بأشد الحاجة لها، حتى بعد أن كبرت في السن وداهمتها الشيخوخة وتكالبت عليها الأمراض!
وقد غافلتها السنوات ومرت دون أن تسأل نفسها لماذا لم تأمرها أمها أو تطلب منها إحضار شيء ولا حتى دوائها؟! واكتشفت أن ذلك قد أحدث في نفسها فوقية واستعلاء فلا تقبل من أحد أن يأمرها أو يستعين بها، وترى أن ذلك يقلل من قيمتها وينقص من قدرها.
وبرغم ذلك عاشت وسط أسرتها مدللة ولم يعصَ لها أمرٌ، حتى توقعت أن ذلك لميزة بها دون سواها من إخوتها وأخواتها! ومن سوء حظها أنها لم تقف أمام نفسها مرة واحدة وتتعجب من تصرف أمها معها حتى سرى هذا السلوك لباقي الأسرة، فلا أحد يرغب في خدماتها! وحين اقتربت من والدتها لتسألها: ما بالك أمي تطلبين من إخوتي ولا تأمرينني مثلهم، حتى لو كنا لوحدنا؟ رمقتها أمها بنظرة أسى ولم تجب سوى دمعة ترقرقت في عينيها وما لبثت أن هطلت الدموع على خدها.
راع الفتاة المدللة موقف أمها وصمتها وبكاءها فأعادت السؤال فانهمرت الدموع تترى من عيني الأم، وأجابت: يا بنيتي إن لم يأت العطاء بعفوية وتقدم الخدمة بسماحة نفس؛ فلست بحاجة لها. وإن لم يكن العطاء طبيعة فإنه يحدث غصة في الحلق وجرحًا في القلب! ولم أرَ منك أدنى مبادرة طيلة سنوات عمرك بل لمست تبرمك وسخطك لأنك ترينه ذلاًّ وإهانة برغم أن تربيتك كأخوتك، فضربت صفحًا عنك لأرتاح، فلا يتسع الشرخ في علاقتنا! ولم أرد خسارتك كابنة فحسب، فأنت أحد أضلاع أسرتنا وخشيت أن أقمت اعوجاجك كسرتك، لذا صبرت ودعوت الله أن يفتح على بصيرتك ويهديك ويبرم لك أمر رشد.
إن مفهوم الذل لديك يا ابنتي يحتاج لتصحيح، وقد طالب الله عباده بالخضوع والذل للوالدين فقط، عدا عن الإحسان لهما، فليس في خدمتهما إهانة، بل رفعة وتشريف وسمو.
وسعيد من أدرك والديه أو أحدهما فتذلل لهما وجثا أمامهما طاعة لهما وحرصا على برهما.
ومحظوظ من عنده أم أو أب يتعبد الله ببرهما، ويسعد بجنة دنيوية ستزول بموتهما ومغادرتهما هذه الدنيا، وعندها لن يبقى إلا الندم!