د.عبدالله بن موسى الطاير
بعض «المفقوعين» من العلاقة السعودية الأمريكية - في أمريكا أو في الشرق الأوسط- نزلت عليهم تصريحات الرئيس ترمب كالصواعق. قالوا إن السعودية على مفترق طرق، فقال لهم: «إذا انفصلنا (عن السعودية) فإن أسعار نفطكم سوف تخترق السقف»... وثنّى: «إن كنت تريد رؤية كساد عالمي، كل ما عليك فعله هو رفع أسعار النفط 50 دولارًا للبرميل، وهذا قد يحدث بسرعة كبيرة حالما خسرنا تلك العلاقة». ثم ثلّث بقوله: «السعودية حليف موثوق وافق على استثمار مبالغ مالية غير مسبوقة في الولايات المتحدة»، وربّع: «السعودية شريك استراتيجي منذ فترة طويلة؛ يستثمرون بمئات مليارات الدولارات في بلادنا. حقًا بمئات المليارات». وختم صواعقه بقوله: «إنهم يحافظون على انخفاض أسعار النفط... الحقيقة هي أن السعودية دولة مفيدة في الشرق الأوسط».
دعونا نذّكر هؤلاء «المصدومين» بالبدايات، ليعوا أن ترمب لم يأت بجديد، وإنما روى بصدق تاريخاً مدوناً للعلاقات السعودية الأمريكية.
الرئيس «الديمقراطي» فرانكلين روزفلت صرّح مطلع 1943م بأن «الدفاع عن العربية السعودية هو دفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية»، وفي سبتمبر من ذلك العام قال: «هناك الكثير لنتعلمه من بعضنا البعض. ولذلك آمل أن نكون قادرين في الأيام القادمة على مناقشة علاقاتنا ومصالحنا كأصدقاء... ولذلك فإن العمل معاً سيمكننا من الإسهام بجهدنا نحو عالم أكثر إشراقاً، وعالم أكثر صدقاً، في السنوات القادمة». وفي بيان مشترك مع الملك عبدالله -رحمه الله- قال بوش الابن عام 2005م: «وها نحن اليوم نجدد صداقتنا الشخصية والعلاقات بين بلدينا، فقد وافقنا خلال اجتماعنا على أن التغيرات المهمة التي تجري في العالم تتطلب منا صياغة شراكة قوية مبنية على ما تم تحقيقه حتى الآن من شأنها مواجهة تحديات هذا العصر والاستفادة من الفرص التي ستتاح لبلدينا خلال العقود القادمة. إن صداقتنا مبنية على إدراك أن كلاً من البلدين يتمتع بتاريخ متميز يدعو للفخر والاعتزاز. إن أمريكا تحترم السعودية كمنبع للإسلام الذي هو من أعظم الأديان في العالم، وكونها مهداً للعقيدة الإسلامية، وراعية للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة» مضيفاً: «وتتعهد كلتا الدولتين بالاستمرار في تعاونهما ليستمر تدفق النفط من المملكة بشكل وفير وآمن، وتؤكدان حرصهما على تحقيق هذا الهدف. وتقدر الولايات المتحدة التزام المملكة الكبير بتسريع الاستثمار وتوسيع طاقاتها الإنتاجية لتوفير احتياجات أسواق النفط واستقرارها».
بين عامي 1973 و1979 تعرضت أمريكا لركود اقتصادي هو الأسوأ منذ الكساد العظيم (1929-1932). وفي منتصف عام 1974م لم تكن أمريكا على حافة الإفلاس فقط وإنما كان الاتحاد السوفيتي على وشك مد نفوذه على الشرق الأوسط، فكيف خرجت أمريكا من أزمتها؟ أرسل نيكسون وزير خزانته للسعودية في مهمة حياة أو موت، وكان على الوزير الأمريكي إقناع السعوديين بأن أمريكا هي آمن مكان في العالم لإيداع مبيعات النفط. لم يكن أمام أمريكا فرصة لإنقاذ اقتصادها المتهالك سوى توقيع اتفاقية مع السعودية، ووضعت أمريكا كل أحلامها وطموحاتها بأيدي السعوديين. المطلوب من السعوديين آنذاك كان واضحاً ومباشراً: «تشتري الولايات المتحدة النفط من المملكة العربية السعودية وتوفر الدعم والمعدات العسكرية للمملكة. وبالمقابل، فإن السعوديين سوف يضخون مليارات من عائداتهم النفطية في سندات الخزانة وتمويل الإنفاق الأمريكي». وبسبب تلك الاتفاقية السرية التي وقعت في منتصف عام 1974م التي لم يكشف عنها سوى عام 2016م كانت السعودية أكبر دائن للولايات المتحدة الأمريكية.
الأمر لا يتعلق فقط بإيداع عائدات مبيعات النفط السعودي في الخزانة الأمريكية، ولكن بالمحافظة على بيع النفط العالمي بالدولار. حالياً يباع نحو 100 مليون برميل يومياً بالدولار، ولو قررت السعودية لوحدها البيع باليورو أو بسلة عملات غير الدولار فإننا سوف نشهد انتكاسة لم يعرف لها الاقتصاد العالمي مثيلاً.
ولذلك فعندما يتحدث الرئيس الأمريكي عن السعودية بهذه اللغة المثمنة لأهميتها، فإنه لا يتحدث بمعزل عن السياق التاريخي للعلاقات السعودية الأمريكية، ولا يصرح مدفوعاً بمصالح شخصية. إنه يعرف قدر المملكة، ليس هو فحسب وإنما جميع المؤسسات الأمريكية. بعضها يكون في قوة وشفافية الرئيس والبعض الآخر يؤثر كتمان الحقائق.