عبدالعزيز السماري
كثيراً ما يرمي بعض المثقفين العقل العربي بالانغماس في نظرية الفكر التآمري، وأن نظرية المؤامرة ثقافة عربية، بينما تخالف نتائج النهج العلمي هذه التهمة، فقد أوضحت دراسة حديثة، ونُشرت مؤخراً بعض من نتائجها في صحيفة الجارديان، أن 60% من البريطانيين يؤمنون بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل حول كيفية إدارة البلاد أو صحة المعلومات التي حصلوا عليها.
في بريطانيا يعتقد ما يقرب من نصف الناخبين (47 %) من الناخبين أن الحكومة قد أخفت عن عمد حقيقة عدد المهاجرين الذين يعيشون في المملكة المتحدة، مقابل 14 % من الناخبين، كما اعتقد 31% من الناخبين الذين تركوا الناخبين أن الهجرة الإسلامية جزء من مؤامرة أوسع لجعل المسلمين هم الأغلبية في بريطانيا، وهي نظرية المؤامرة التي نشأت في الدوائر الفرنسية المتطرفة المعروفة باسم «الاستبدال الكبير».
كانت هذه الأرقام نتيجة لدراسة دولية واسعة النطاق، وأجريت على مدى ست سنوات وفي تسعة بلدان ومن خلال باحثين في جامعة كامبريدج ويوجوف، وكانت الدراسة أكثر شمولاً لفحص نظريات المؤامرة التي أجريت على الإطلاق، وهي المرة الأولى التي يستكشف فيها الأكاديميون أسئلة حول معتقدات التآمر والثقة الاجتماعية وعادات استهلاك الأخبار في مختلف البلدان.
وجد الباحثون في نتائج الدراسة عن بريطانيا على سبيل المثال، أن 15% من الناخبين يعتقد، بغض النظر عن المسؤول الرسمي في الحكومة، أن العالم يديره عصبة عالمية سرية من الأشخاص الذين يسيطرون على الأحداث معاً، وكان أكثر معتقدات المؤامرة انتشارًا في المملكة المتحدة، ويشارك فيها 44% من الناس، أنه «على الرغم من أننا نعيش في ما يسمى بالديمقراطية، إلا أن قلة من الناس يديرون دائمًا أشياء في هذا البلد على أي حال». كانت عدم الثقة في السلطة عالية في المملكة المتحدة، حيث كان 77% من الناس يثقون في الصحفيين «ليس كثيرًا» أو «ليس على الإطلاق» ؛ بينما 76% لا يثقون بوزراء الحكومة البريطانية ولا يثق 74 % منهم برؤساء الشركات، في المقابل، يثق 87% و89% من المستجيبين بالأصدقاء والعائلة على التوالي، مما يضيف مصداقية لمصادر الأخبار التي تشاركها جهات الاتصال الاجتماعية.
من أجل إدراك أكثر لنظرية المؤامرة، وأنها فطرة إنسانية، ويستخدمها البعض حين تجري الأمور حوله في سرية تامة، فالسمات الأساسية لما يلزم أن تكون مؤامرة هي السرية وتبادل المعلومات داخل شبكة مغلقة. فالأفراد يتصرفون بتوافق، سواء عن طريق خطة أو لا، والسرية تضمن أن فوائد الشبكة تتراكم لصالح هؤلاء الذين داخل الشبكة لا خارجها..
وعندما نحاول الوقوف قليلاً أمام نشرات الأخبار العالمية، فإن اللغة الدبلوماسية تكاد تتطغى على نتائج الاجتماعات، وتفاصيل اللقاءات لا تُنشر عبر وسائل الإعلام، بل بعض الدول وضعت قوانين تحد من نشر بعض المعلومات إلا بعد مرور ربع قرن على الأقل من الزمان..
كان إتفاق سايس بيكو الشهير سرياً، وتم الكشف عنه بعد الثورة الشيوعية في موسكو، بعد سقوط أحد أعضاء الاتفاق السري، ومن المثير للاهتمام أن تخرج جماعات ورموز يهتمون بكشف المعلومات المدرجة تحت بند السرية التامة في الدول العظمى، ولعل أشهرهم في هذا العصر جوليان أسانج كرئيس لشبكة ويكيليكس، وقد أصبح مستهدفًا من قبل الولايات المتحدة بسبب قدرته الباهرة لكشف ملفات في منتهى السرية..
من خلال هذه المقدمة ليس نظرية المؤامرة خروجاً عن المألوف في العقل العربي، فهي سمة مشتركة بين شعوب الأرض، والسبب سرية المعلومات، وعدم كشف نتائج الاجتماعات المغلقة في الدوائر الدولية، وهو ما يعني أن الموقف من العامة لم يتغير منذ العصر الروماني، وأن فكرة التآمر ليست مرضاً اجتماعياً، ولكن نتيجة لثقافة سياسية عالمية..