د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
حدثني أحد الأفاضل ممن جاوز عمره الثمانين -متعه الله بالصحة- قائلاً عرضت لي حاجة فيما يسمى «بالتابعية» (حفيظة النفوس) التي أحملها فقصدت أبا فهد؛ إذ كان مدير الجوازات في حوطة سدير, بعد صلاة العشاء!! فضربت عليه الباب فردَّ علي أهله أنه معزوم عند فلان فقصدته فوجدتهم قد وضعوا عشاءهم فشاركتهم وبعده قلت لأبي فهد عن حاجتي فقام معي من ساعته, وذهب بي إلى مكتبه وجعل يبحث عن الملف الخاص بي حتى وجده, وقضى لي الحاجة وذهبت شاكراً داعياً, لم يقل لي: تعال غداً أنظر في حاجتك, بل بادر بقضائها. نعم هذا مثال يسير لهذا الرجل الكبير، لا أظن أن أحداً قصده في شيء يقدر عليه فردَّه, حوى نفساً وروحاً بفضل الله عليه: كريمة ولطيفة وحلوة, طابت أخلاقه, وارتفعت همته, رجل فذ, وكريم لا يلحق, تحمل الديون لما حواه من حلو الشمائل, قال أحد كبار السن: لو قابلتَ أبا فهد في حاجة وهو خارج لحاجته رجع معك لقضاء حاجتك!
أدركته سنين عدداً كان مثالاً للرجل الحريص على نفع الناس, وعلى نفع البلد يسعى بهمومها وطلباتها إلى المسؤولين لا يكل ولا يمل. استنفذ جهده, وأنفق صحته, وبذل ماله خدمة لبلده وقياماً بحق قاصديه.
كان مشاركاً للصغير والكبير في أفراحهم وأتراحهم, فتجده في المناسبات في الطليعة يتبع كل جنازة يصلي عليها -فيما رأيت- ولا يخرج من المقبرة حتى يعزي أهل المصيبة. تجده من أوائل من يأتي لمصلى العيد لصلاة العيد والاستسقاء إن لم يكن الأول مع أن مكانه معروف, ومع ذلك يبادر بعد صلاة الفجر فيكون متقدماً في الحضور. كنتُ أزوره على فترات متقطعة فأجد الرجل الذي لم تغيره السنين إلا زيادة في الكرم والتلطف وحسن المنطق -رحمه الله رحمة واسعة-.
مذكور بخير أحسن في تعامله, فحفظ الناس جميل فعله, كان ملئ إهابه, وكانت المروءة تمشي في ركابه, تولى إدارة الجوازات ثم حل مكان والده -رحمهما الله- في رئاسة مركز حوطة سدير فكان مثالاً يحتذى, ونموذجاً مشرقاً هذا هو سعادة الشيخ صالح بن سليمان بن إبراهيم بن عبدالله بن محمد بن عبدالله بن سليمان بن زكري -رحمه الله رحمة واسعة-, وجعل ما فعله من الصالحات في ميزان حسناته, وأخلف على أهله وولده بصلاحهم, وقد أرَّث رجالاً سلكوا طريقته, فأحسن الله عزاءهم وجبر مصابهم. وقد كنتُ وقت وفاته في سفر ألا رحم الله أبا فهد وأعلى نزله, وفسح له في قبره, وأظله في ظل عرشه, ورزقه صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم.