مها محمد الشريف
اليوم أصبحت لصناعة الإعلام أهمية كبرى، تساعد على الإدراك، وتعزز النتائج الضرورية لحياة عصرية، تستوجب نسقًا من التصورات؛ لتمثل رؤية متكاملة.. فكل حضارة تحدد قيمتها طبقًا لدرجة تقدُّمها التقني والإعلامي؛ فالقوة اليوم تجسدها أجهزة الإعلام التي حوَّلها العلم والفن إلى أدوات بالغة القدرة على التأثير، وتعد من أنجح الوسائل التي تصل إلى عقول الناس ومسيرة حياتهم.
فهي تنقل للناس وقائع محيطة بكل أوجه النشاط في مجتمعهم والمجتمعات الأخرى، وتتجلى في استطاعتها العلمية والتكتيكية؛ فتزودهم بالمقدرة على معرفة ومتابعة التاريخ الحقيقي لدول العالم، والارتفاع السريع والسقوط السريع، وتغطية مفهوم الحرب وتبعاته باعتباره سيلاً متدفقًا من الأحداث.
والتجربة الروسية «بدأت تحرر وسائل الاتصال فيها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي 1989، ويوجد الآن في روسيا مؤسسات إعلامية تجارية ذات ملكية خاصة، وأخرى ذات ملكية مشتركة بين الدولة والقطاع الخاص، وبعض المشروعات الصناعية الروسية الخاصة تشارك الدولة في ملكية بعض وسائل الاتصال مثل شركة Logovas لصناعة السيارات التي يمتلكها الرأسمالي الروسي بوريس بيريزوفسكي، وتستحوذ على 49 % من ملكية التلفزيون الروسي العام، ويستخدم بيريزوفسكي هذه القناة التلفزيونية لطرح أجندته السياسية والاقتصادية على الرغم من أنه ليس المالك الوحيد لها».
فعصر المعلومات له سلطة وتأثير على الإعلام؛ وهو ما جعله السلطة الأولى وليست الرابعة، ولاسيما بعد الثورات التي اجتاحت العالم العربي، وتتابُع الأزمات الاقتصادية والتحديات السياسية والأحداث الكبيرة التي أكدت أن الوسائل الإعلامية صناعة عالمية، لا تقل أهمية عن صناعة الأسلحة والمواد الكيماوية؛ إذ يجب مواكبة التطورات في تكوين الآراء، واتخاذ القرار؛ فالإعلام الغربي يؤثر بصورة فعالة على كثير من القيادات السياسية في العالم. وقال الأمين العام السابق للأمم المتحدة إن وكالة الأنباء التلفزيونية CNN العضو رقم 6 في مجلس الأمن، وغالبًا ما تجد المصداقية والتضليل في هذه القنوات العالمية التي تنحاز إلى دول دون أخرى، خاصة إلى إسرائيل على حساب العرب.
وأصبحت المؤسسات الإعلامية الأمريكية تمثل إمبراطوريات إعلامية ضخمة، تسيطر على العالم حسب اعترافات عدد من الإعلاميين الأمريكيين أثناء ورشة عمل، نظمتها «آسبن العالمية»؛ فبكل الإمكانات الهائلة تخوض هذه المؤسسات أدوارًا تفرض عليها لإنجاح سياستها على الصعيد الدولي على عكس الإعلام المحلي في تشكيل الرأي العام، أو يُحدث تغييرًا ملحوظًا يجذب المشاهد أو المستمع أو القارئ رغم التقنيات والإمكانات المتاحة.
حتى نتمكن من التأسيس لمواطنة كونية عبر معايير مستحدثة، وسلوكيات مبنية على وعي متناغم ومنسجم في ماهية العصر ومسوغاته، وضرورة إعادة مفهوم المهنية الإعلامية والتوعية بضرورة فهم المجتمعات لهذا النوع المتذبذب من الإعلاميين وأهدافهم وأدوارهم ومتابعة القطاعين العام والخاص، فعلى المسؤولين تحديث القنوات الرسمية وتطوير وسائلها؛ لكي تبحث عن مكانها وزمانها في دائرة المنافسة.
فإذا نظرنا من زاوية الواقع والظروف المحيطة بنا وإنجازاتها ودلالاتها السياسية التي لها تأثير على الرأي العام، وعلى النظام الاجتماعي، يجب علينا التعرف على بعض المفاهيم الاجتماعية المتداولة؛ فأكثر صروف الدهر تواترًا في حياة الإنسان سبب تطوره عبر السياقات التاريخية القديمة والحديثة.
ولا يعني أن وسيلة إعلامية تحل محل أخرى؛ فكل مؤسسة لها نمط الإنتاج وأغراضه السياسية؛ فقد كان لقناة الجزيرة ديدن معادٍ للدول العربية، أفقدها المهنية والأخلاقية؛ وهو ما نتج منه تراكم فوضوي واختلالات أظهرت للعالم ثورات الربيع العربي بطولات وملاحم تاريخية، وتمت تغطيتها لصالح أعداء الأمة العربية، وقلبت الأحداث إلى عكسها من حيث صياغة تحولاتها المتباينة السياسية والاقتصادية والثقافية.. وحيث لا ينفك الزمن من الاستمرار علينا ترتيب متطلبات الاستثمار في الإعلام؛ الأمر الذي حتم على العالم فهم الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام، وبالتحديد المحطات الإخبارية والصحف اليومية؛ إذ أصبحت ضرورة ملحة لنشر الوقائع والمعلومات الصحيحة.