د. حمزة السالم
دائمًا ما يتساءل المسلمون اليوم عن تعريف الربا بشكل عام. وهو تساؤل ناتج عن خلط غالب الأمة في فقه الربا. وعمومًا، فوضع تعريف للربا عمومًا، ينفع في تأصيل العلم، وأما عند التطبيق العملي، فإننا لا نحتاج له، بل نحتاج لتعريف ربا القرض وتعريف ربا البيع، سواء في حال كون المبادلة حاضرة أو آجلة.
وقبل البدء في تعريف الربا المطلق والربا المحرم (المطلق: أي أنه يشمل حلاله وحرامه) لا بد أن نستحضر أن المقصود بالربا هو نفس الزيادة، لا المعاملة الربوية ولا المال المتبادل.
فتعريف الربا مطلقًا حسب مفهوم القرآن: هو الزيادة المتولدة من تبادل مالين. وهذا يعني أنه لا استثناء لبشرين يتبادلان بمال، ولا ينتج عن معاملتهما ربا. ويعني أيضًا، أنه يشمل القرض وما في معناه، كما يشمل البيوع والمقايضات والمبادلات كلها. وأنه يشمل الأموال كلها. ويشمل أي زيادة كانت، في أي صورة. كما يشمل بذلك المبادلة الحاضرة والآجلة. وبقصر التعريف على التبادل بالأموال، يُخرج المنافع غير المالية.
وأما تعريف الربا المحرم فهو: كل قيمة متولدة من تبادل مالي، ما لم تبذل كصدقة أو هدية، أو أن القيمة تولدت من تبادلات تعاوضية بأموال غير ربوية.
وإطلاق تعريف -الربا المحرم- للقيمة المتولدة، يُدخل فيها المنفعة غير المالية كالشفاعة والمعروف، إلا أنه يُخرجها من اعتبارها في التبادل، وذلك بتحديد التبادل بالمالية. أي فتخرج المنفعة غير المالية من اعتبارها طرفًا في عملية التبادل، ولكنها تثبت في اعتبار الزيادة الربوية.
وبما أنه لا استثناء لبشرين يتبادلان بمال إلا وينتج عن معاملتهما ربا، فتعريف -الربا المحرم- يتضمن أن حكم الربا العام يشمل المسلم والكافر الذمي والحربي. فالتحريم جاء للربا عموما ولا يوجد نص يخصص جواز تعامل المسلم بالربا مع الحربي، فيبقى الحكم العام على أصل التحريم بالقرآن، مثله مثل الزنا. فمن يزني بمجوسية، فهو حرام عليه وأما هي فتعامل بدينها. فأحكام الشريعة إنما خوطب المسلمون بها لا غيرهم. لذا لو كان التعامل بين كافرين أو حربيين، فأحكام الشريعة لم تخاطبهما، وهذا أمر متروك لولي الأمر يقدر ضرره ومنعه أو عدمه.
والتعريف يحدد اعتبار زيادة القيمة لا الوسيلة الموصلة إليها كعدد ووزن، ولا السبب المسبب، كجودة وندرة. (وربا البيع الحاضر وإن كان لا يعتبر القيمة، إنما الوسيلة كعدد ووزن، فإن النتيجة واحدة، لأن القيمة منتهى أي زيادة إن كان التبادل بين عاقلين).
و لولا الاستثناء في التعريف، لكان تحديد التعريف بكونه الزيادة الناتجة عن أي معاملة تبادلية مالية، يُدخل القرض والوديعة والعارية، كما يُدخل البيع والرهن والعربون. فالصدقة تخرج الزيادة الناتجة عن القرض والوديعة والعارية من الربا المحرم. والهدية تخرج بيوع التسامح والمعروف. واستثناء ما تبودل به تبادلاً تعاوضيًّا في مال غير ربوي، يخرج البيع وما في معناه كالإجارة، والرهن والعربون، من الربا المحرم.