د. صيتة بنت فهد الغبين
لم تكن الهجمات الإعلامية التي مرَّتْ بها المملكة في الفترة الأخيرة هي الأولى، ولن تكون الأخيرة. والمتتبع للأحداث يجد أن ما حققته المملكة من سمعة مرموقة وحضور قوي في المجتمعات والأوساط الدولية، والتي هي نتاج للجهود العظيمة والسياسات الدبلوماسية التي تبذلها المملكة لتعزيز مكانتها في محيطها العربي والإقليمي والدولي، هذا إلى جانب المكانة الاقتصادية لها والتي جعلتها واحدة من الدول العشرين للمنظومة الاقتصادية العالمية وغيرها من الإنجازات أصبحت تقض مضاجع الأعداء مما يدفعهم لتجنيد جيوش آلاتهم الإعلامية لشن حملة شرسة على المملكة ورموزها.
حينما نستعرض الأحداث الأخيرة التي مرت بالوطن نجد أن هذه الهجمات الممنهجة كان هدفها جعل المملكة معزولة دولياً وهز مكانتها وثقلها السياسي والديني والاقتصادي وفق إستراتيجية منظمة انطوى تحت مظلتها كل من يقف في صف المعادين لنا من دويلات وأحزاب وإعلام مدفوع له يمسك زمام قيادته بعض العروبيين الذين يحملون حقدًا دفيناً على المملكة وقادتها مما دفعهم أن يتخلوا عن كل شعاراتهم وكرامتهم المكذوبة مقابل ما تدفعه لهم قطر وإيران بازدواجية معايير واضحة للجميع، إضافة إلى الإعلام الغربي الذي تخلى عن مهنيته ومصداقيته المزعومة وزاد من هجومه على المملكة بصورة متناغمة مع الخطاب الإيراني والقطري المتمثل بقناة الجزيرة والقائمين عليها من قيادات الإخوان بل إنه تجاوز ذلك إلى نشر تقارير ركيكة تعتمد على جهات غير موثوقة مما يخالف المهنية المعروفة عن الإعلام الغربي. هذا التناغم في الخطاب وهذه التقارير المتطابقة والتي تحمل اتهامات تهاجم المملكة وسياساتها بصيغة واحدة تتكرر من جهات عديدة إقليمياً أو دولياً سانده حياد وصمت من دول وقفت معها المملكة وساندتها في أحلك الأزمات كانت الغاية منه هو رفع وتيرة التهديد بفرض عقوبات على المملكة، وذلك لابتزازها للخضوع للسياسات الخارجية. هذا، إضافة إلى تجنيد العديد من الأقلام المأجورة والتي تحسب على الوطن لتشكيك الداخل السعودي بقيادته وهز الثقة بالغايات النبيلة للشرفاء المدافعين عن الوطن، بل إن هذه الأقلام وصفت المغردين بأوصاف استخدمها الإعلام المعادي لتحجيم دورهم والتقليل من أهميته، ولكن الصدمة لهم كانت بتكاتف اللحمة الداخلية للشعب السعودي والتفافه حول قيادته وتحصنه ضد أي مخططات تسعى لتفتيت النسيج الوطني. هذا الالتفاف ناجم عن وعي السعوديين بالمخططات التي تحاك حولهم والذي أسهم بشكل كبير في إحباط مخططات إعادة تقسيم الشرق الأوسط أو ما يطلق عليه مشروع الشرق الأوسط الجديد.
بالرغم من كل هذه الحملات الإعلامية نجد أن إعلامنا الخارجي - للأسف - غير مواكب لها بل إنه قدم دوراً أقل مما كان متوقعاً له، دور دون آلية واضحة أو خطة ممنهجة, دور لم نر فيه أي صناعة مهنية للخبر، بل إن كل ما اتضح هو قصور في الأداء رغم المقومات المادية والخبرات الإعلامية. إن أهمية الأحداث المتسارعة تتطلب مواكبتها ووضع خطط إستراتيجية تقوم على أسس يتشارك في وضعها أكثر من جهة ولا يقتصر وضع سياساتها وتقويم أدائها على جهة واحدة، بل يجب أن يتم تشكيل فرق عمل من عدد من الجهات التي تتشارك في وضع آلية جديدة لصياغة الخطاب الإعلامي بشكل عام والخطاب الإعلامي الخارجي بشكل خاص، يشرف عليها عدد من الخبراء العالميين في مجال صناعة الخبر والأكاديميين المختصين والخبراء الإعلاميين المحليين وخبراء الإعلام الجديد واستثمار كل القنوات التي يمكن من خلالها الوصول إلى الآخر وتقديم الصورة الحقيقية التي تسعى هذه الحملة الشعواء على تغييبها وإحلال صورة السعودية كخطر قادم على العالم. هذا العمل لا يتحقق إلا بوضع خطط دائمة وثابتة تعتمد على الاستمرارية في تحسين الأداء وتطويره، لا على الحالات الطارئة فقط, بل تكون قادرة على مواجهة أي متغيرات ومستجدات في المحيط، كما أنها يجب أن تقوم على مفهوم التأثير في الطرح وليس التكرارية أو تكرار تصدير الخبر الإعلامي من الجهات المختلفة، بل يجب أن تكون هنالك إعادة صياغة تتوافق والأهداف.
من ناحية أخرى يجب أن يتخلى إعلامنا الخارجي عن دور رد الفعل، بل يجب أن يتجاوز تلك المرحلة إلى دور أهم وأخطر بأن يكون له زمام المبادرة في كل الأحداث والأزمات، وأن نكون نحن المصدرين للخبر والمتصدرين للحدث. كما أنه يجب أن لا يكون الاعتماد الأكبر في صياغة الخطاب الإعلامي الخارجي على قنوات الإعلام المحلية بل يجب أن يتم إنشاء قنوات إعلامية عالمية متخصصة مدعمة بالخبرات العالمية وتكون منافسة للإعلام الغربي، فالاعتماد على الإعلام المحلي سيقلص دائرة التأثير وستكون نقطة الوصول ذات مدى قصير لا يحقق المرجو منها، إضافة لذلك يجب أن تلعب سفاراتنا في الخارج دورًا أساسيًا ومحورياً في دعم هذه الأهداف من خلال إعادة هيكلة مكاتبها الإعلامية وتزويدها بخبرات إعلامية وطنية وخبرات أكاديمية متخصصة قادرة على بناء الصورة الحقيقة للمملكة ونقلها، وتغيير الصورة التي سعى الإعلام المعادي لنشرها. ولا يمكننا أن نغفل دور الجامعات وخاصة كليات الإعلام في بناء هذه الإستراتيجيات من خلال مراجعة وإعادة صياغة مناهجها وتطويرها بما يتناسب مع مواكبة التغييرات من حولنا، وتقديم ورش عمل متخصصة في تعليم وتدريب طلابها وأساتذتها على صياغة الخطاب الإعلامي المحلي والخارجي، ولا تقتصر على الصياغة فقط بل على تسويق الخطاب والوصول به إلى المستويات العالمية، كما أن وزارة الإعلام يجب أن تكون شريكاً فعالاً في بناء هذه الإستراتيجيات وتحويلها إلى واقع ملموس يحقق تطلعات ولاة الأمر وتطلعات كل مواطن غيور، بل إن دورها هو الأكبر والأهم في بناء الإعلام الجديد وتطوير أدواته والاستفادة من القوى البشرية والكفاءات المؤهلة وعدم الاعتماد على دخلاء الإعلام في صياغة خطابنا الإعلامي ورسم صورتنا للآخر.
ختاماً، أتمنى أن يتم تبني مشروع حقيقي فعال لإعادة صياغة الخطاب الإعلامي الخارجي تشرف عليه وزارة الخارجية ووزارة الإعلام ووزارة التعليم ممثلة بالجامعات السعودية العريقة، ويتم فيه الاستعانة بخبراء إعلام عالميين وإقليميين لوضع بنية أساسية جديدة للخطاب السعودي الجديد.