سلمان بن محمد العُمري
حينما بدأت مراكز التدريب الإدارية في العالمين العربي والإسلامي في الانتشار قبل عقود من الزمن استنسخوا تجارب من سبقهم في الدول الغربية سواء بما تركه المستعمر وورثوه عنه أو من خلال البعثات العلمية أو الدور الاستشارية التي تم التعاقد معها على تطوير المرافق والمؤسسات.
ومن الطبيعي آنذاك أن تكون الغلبة في الدورات التدريبية للنظم الأجنبية ولآراء الباحثين الغربيين ومقولاتهم، وأن يستشهد بها وتكون لزاماً في الدراسات والدورات بل وحتى مناهج الدراسات الجامعية والدبلومات وقد كانت هي السائدة.
مع هذه البدايات كانت هناك أصوات تهمس وعلى استحياء بأن لدينا موروثا وكنزا لم نلتفت إليه في ما جاءت به الشريعة الإسلامية وما أمرنا به في القرآن الكريم والسنة النبوية وما جاء في السنن من آداب وفضائل في الإدارة والأمانة والتعامل مع الناس، وما ورد لنا من سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومن سيرة السلف الصالح ابتداءً من الخلفاء الراشدين وعلى مرور تاريخ الإسلام والمسلمين.
وهذه الأصوات لم تستطع طوال العقود الأولى أن تتحرك عملياً وتقدم للمكتبة العربية والإسلامية الشواهد الحية التي سبق إليها الإسلام وحث عليها، وما يدعيه الغرب أنها اكتشافات وآراء حديثة في الإدارة، وللأسف أن ما ظهر من دراسات بعد ذلك لم يقنع القائمين على مراكز البحوث والدراسات الإدارية أيضاً في اعتماده وكأننا ننتظر الفرج من الخارج، حتى رأينا عناية الباحثين الغربيين ودراساتهم تستكشف ما لدينا من تراث عظيم في هذا الجانب الزاخر، ومن ذلك أنه أجري بحث بأمريكا لدراسة أهم صفات القائد، وبعد دراسة متعمقة خرجت نتائج البحث بأهم صفتين يجب أن يتحلى بها القائد وهي: (الأمانة) و (القوة). وهذا الأمر الذي توصل إليه الباحثون هناك قد بينه القرآن الكريم قبل أكثر من 1400عام حينما ذكر ما قالته ابنتا شعيب عن موسى عليهما السلام: «إن خير من استأجرت القوي الأمين»، فالقوة التي يعبر عنها الآن بـ«الكفاءة» والأمانة وهما مطلبان أساسيان في من يشغل كافة الأعمال التنفيذية أو القيادية.
ولو استعرضنا ما في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسلف الأمة سنجد أمثلة حية وشواهد علمية وليس مجرد نظريات؛ فديننا ولله الحمد جاء لما فيه صلاح البشر في دينهم ودنياهم، والله سبحانه وتعالى قال: «ما فرطنا في الكتاب» فما من أسس لتنظيم حياة الناس إلا ونجد له شواهد من الكتاب والسنة.
والآن ولله الحمد أصبح هناك مراكز تدريب خاصة تعنى بتطوير أداء العاملين ويقوم المدربون فيها بالاستشهاد بما لدينا في شريعتنا الإسلامية من أحكام وتعليمات وآداب وفضائل.
ولعلي أختم بما سمعته من أحد الأخوة عن مثال حي لما نملكه من أسس ونظم وقيم إدارية وأخلاقية فقد روي لي أن مجموعة من العاملين في مركز إسلامي شرقي الولايات المتحدة اختلفوا فيما بينهم حول إدارة شؤون المركز، وانقسم العاملون فيه إلى فريقين وأخذ كل منهم بشكوى الآخر، والمطالبة بالتوحد والانفراد بالإدارة وإبعاد خصمه، وكان لأحد الفريقين محامٍ ويهودي الديانة، وفي إحدى الجلسات معه قال لهم: إن في دينكم وقرآنكم من الأحكام والتعليمات التي لو طبقتموها لما تخاصمتم، ولما احتجتم إلى المحامي والمحكمة؛ ففي دينكم كامل التعليمات الدينية والدنيوية وما فيه يغنيكم عن الجهد والوقت والمال الذي بذلتموه.