الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي من أبرز الظواهر الإعلامية في عالمنا اليوم، على الرغم مما تركته تلك المواقع من انعكاسات إيجابية على الناس بشكل عام، وعمليات التوظيف الاجتماعية والإنسانية والتعليمية والاقتصادية والسياسية وغيرها؛ إلا أنها لم تسلم من الدعايات الماكرة والأطروحات المضللة التي تصنع منهم أعداء للوطن، وللمجتمع بالفرقة والخلاف والعداء.
وقد بينت عدد من الدراسات العلمية الحديثة المخاطر الجسيمة لمواقع التواصل الاجتماعي من تلاعب بالرأي العام، وإثارة الفتن، وبث الشائعات والأكاذيب.
كما كشفت الدراسات أن الجرائم المرتكبة في وسائل التواصل الاجتماعي تتسم بأنها جرائم مستحدثة لها طابع وخصائص تميزها عن الجرائم التقليدية؛ إذ يطلق عليها الجرائم الناعمة؛ كونها عبارة عن جرائم محتوى أو جرائم تعبيرية ليس لها أي أثر مادي.
«الجزيرة» التقت عدداً من المختصين في وسائل الإعلام والاتصال، والمهتمين بهذا الشأن للحديث حول دور مواقع التواصل الاجتماعي في كشف أعداء الوطن والمسيئين له ممن ينتمون للأحزاب والجماعات المتطرفة، وغيرها.
شبكات منظمة
بداية يذكر صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن خالد بن ناصر بن عبدالعزيز «مهتم بمواقع التواصل الاجتماعي» أنّ أعداء الوطن من الحزبيين والتكفيريين وأتباع تنظيم الحمدين (الإخوان) واللبراليين والعلمانيين وأتباع النظام الصفوي مواقع التواصل الاجتماعي في إثارة الأزمات والفتن داخل الوطن من خلال شبكات منظمة يصرف عليها الملايين.
لكن كان الوعي الديني والوطني الثقافي والاجتماعي لدى أبناء الوطن أعلى من كل تلك الهجمات وانقلب السحر على الساحر لتصبح تلك المواقع لوحات وطنية يعبّر فيها أبناء الوطن عن حبهم لوطنهم والدفاع عنه، فباتت مواقع التواصل الاجتماعي أداة بمصل الوطن لكشف أعدائه المتسترين خلف الأقنعة والحسابات المشبوهة، وكان أبناء الوطن يمثلون الجيش السعودي الإلكتروني الذي لا يقهر ولا يقبل الهزيمة وهذا ما أثار غيظ الأعداء وزاد من حقدهم، فما قدّمه أبناء الوطن بتلك المواقع للدفاع عن الوطن لا يقل أهمية عما يقدمه أبطالنا البواسل في الحد الجنوبي فكلهم يدافعون عن الوطن ضد أعداء الوطن.
حمامات الأمان
ويقول الدكتور عبد الله بن ناصر الحمود -أستاذ الإعلام المشارك بكلية الإعلام والاتصال، رئيس مركز ميساب للدراسات- بقدر ما تزخر شبكات التواصل الاجتماعي بكل ما هو غث وسمين من المحتوى الاتصالي، وبقدر النقص الحاد في مصداقية العديد من مصادر تلك الشبكات، إلا أنه يمكن القول إن كثيراً من المتداخلين فيها يجرون عملية (فلترة) لمتداخلين آخرين.
من هنا، يمكنني تأكيد أهمية تلك المواقع والشبكات، في حالات كثيرة، في الذود عن حياض الوطن والدفاع عنه ضد محاولي الاختراق لكيانه الثقافي والاجتماعي. فالوطنيون النبلاء المؤهلون علماً وفكراً، موجودون في هذا الفضاء الشبكي المهم، وهم أحد صمامات الأمان في التصدي لضعاف النفوس المريدين بنا سوءاً، ودورهم في كشف أعداء الوطن والمسيئين له ممن ينتمون للأحزاب والجماعات المتطرفة ظاهر، ويمر، في تقديري، بخطوات عشر، هي:
الأولى- (العلم والفهم والإحاطة): حيث تتيح شبكات التواصل الاجتماعي، منصات مهمة لأبناء الوطن النبلاء الصادقين الصالحين، أن يعلموا ما يقترفه المجرمون من أخطاء وتجاوزات في حق الوطن، وبالتالي يفهمون بشكل بين ظاهر ما يسعى إليه هؤلاء المجرمون وما يريدونه من إرادات السوء.
الثانية- (المراجعة والتقييم): حيث تتيح المرحلة الأولى، مادة كافية لمعرفة منهج وسلوك الضالين، فيقوم الخيرون بمراجعة ذلك وتقييمه وفق معيار المصلحة الوطنية.
الثالثة- (إدراك منهج الضالين): فمرحلة التقييم تقود إلى أن يدرك أبناء الوطن الشرفاء منهج الضالين، وأن يعرفوا خططهم وحججهم الباطلة.
الرابعة- (تقدير حجم الضرر المتوقع): ففي هذه المرحلة، يقوم الصالحون من أبناء الوطن المتابعون منهم لشبكات التواصل، بتقدير حجم الضرر المتوقع جراء سلوك المسيئين على شبكات التواصل، ومدى خطورة ما يقومون به على أمن وسلامة الناس والوطن.
الخامسة- (تقدير المصلحة في التصدي): فبناء على عملية تقدير حجم الضرر، يقوم الصالحون بتقدير المصلحة في التصدي. وهذه مرحلة مهمة، حيث لا يحسن التصدي لكل سلوك مشين، وإنما بحسب التقدير الدقيق لجدوى وفاعلية وأهمية التصدي. فبعض الإساءات يكون التصدي الأنسب لها بتجاهلها اتصالياً، في حين أن بعض الإساءات تستلزم التدخل القوي.
السادسة- (الإعداد المناسب للدفاع): فبعد تقدير المصلحة في التدخل، تجري عملية إعداد للدفاع الأنسب وصد محاولات الإساءة. وعادة ما يتم الإعداد عبر حصر الحجج والبراهين والاستدلالات العقلية والاتصالية المهمة التي بمقدورها تفنيد ما يحاول المسيئون تمريره عبر شبكات التواصل.
السابعة- (التداخل الواعي): ففي هذه المرحلة، يقوم المدافعون عن حياض الوطن بالتداخل عبر منصات شبكات التواصل، حيث يفترض التداخل الحذر الواعي، القائم على التوظيف الجيد لمهارات الاتصال، واستراتيجيات الدفاع، حيث الحجج والبراهين، والاستدلالات المنطقية.
الثامنة- (المتابعة الفطنة): فمن المتوقع أن يثير التداخل عبر الشبكات ضغينة الحاقدين المسيئين، فيذهبون للمجادلة والخصام، وهنا يستلزم الأمر متابعة فطنة لما يتم، واتخاذ ما يلزم من استراتيجيات الدفاع المستمر والمتجدد.
التاسعة- (المناورة عند الضرورة): فقد تقود ردود أفعال المسيئين إلى هجوم مضاد جديد، وهنا يلزم امتلاك مهارات المناورة ومقارعة الحجة الباطلة بالحجة الدامغة، والبرهان المزعوم بالبرهان الأكيد.
العاشرة- (تحقيق العوائد المتوخاة): حيث يمكن في هذه المرحلة، ضمان القدر المطلوب من حماية النسيج الوطني المجتمعي من مخاطر المريدين به السوء، ورد كيدهم، وكشف خططهم ومقاصدهم.
ويدعو للإيمان بجدوى هذه الخطوات العشر، وفاعليتها، ما يتمتع به الجمهور المعاصر من نشاط وفاعلية واطلاع ودراية بكثير من الأمور التي تتم على هذه الشبكات. فهذه عناصر مساعدة جدا للخيرين مريدي حماية المجتمع والدفاع عن مكتسباته.
أطروحات مضللة
ويؤكد الشيخ محمد بن عبدالله المعتاز المشرف على مكتبة دار السلام للنشر والتوزيع أن مواقع التواصل الاجتماعي تحتل النّصيب الأكبر من المتابعة والمشاركة في المجتمع السعودي، إلا أن بلادنا لم تسلم ممّن يتربص بها ويسعى إلى شقّ الصّف ونزع الفرقة عبر مواقع التواصل بالدعايات الماكرة، والأطروحات المضللة، والتحزبات البغيضة، وكان موقف المواطنين مخيباً لظنونهم فقام جمع من إخواننا الغيورين على دينهم ووطنهم بهتك أستارهم وكشف عوارهم، ولكن للأسف يوجد في مجتمعنا من تأثّر بهذه الشبهات والأفكار بسبب قلة العلم والمعرفة، ولذلك كان السلف -رحمهم الله - ينهون أشد النهي عن مجالسة أهل الأهواء والشبه وكانوا يقولون: إن القلوب ضعيفة والشبه خطافة، والواجب مع المغرر بهم أن نقوم بمناصحتهم واحتوائهم وإرشادهم إلى الطريق القويم وهذا ما قامت به حكومتنا الرشيدة عبر برامج المناصحة والرعاية والإرشاد التي كانت سبباً في إعادة كثير من المغرر بهم إلى جادة الصواب والمواطنة الصالحة وإلى المشاركة الفاعلة في بناء الوطن.
الفضاء المفتوح
ويشير الأستاذ/ سلطان بن سعود الجريسي مدير التسويق والعلاقات العامة في مركز أرامكو لريادة الأعمال إلى أنّه في السابق كان الإعلام التقليدي مثل: الصحف المطبوعة، والمجلات، والمذياع، والتلفزيون هو المنبر الرئيس والأكثر رواجاً لتلقي الأخبار ونشر المقالات والتأثير على المجتمع من خلال نشر الوعي لتعديل السلوك أو التوجيه الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي وكان يخضع للرقابة والتدقيق لضمان جودة المحتوى وسلامته من الانحرافات الفكرية. كما كانت الكتابة والظهور في الإعلام مقتصراً على الثقات من الإعلاميين والمثقفين والدعاة، ولأننا لا نقرأ ولا نستمع إلا للثقات المعتمدين من هذه المنابر فإننا لا نعلم ميول وتوجهات كثير ممن نعرفهم في مجتمعنا من أصحاب الفكر المنحرف، والآن وبعد أن أصبح فضاء الإنترنت مفتوحاً وسمح للجميع بطرح آرائهم وتوجهاتهم وأفكارهم سواء كانت إيجابية أو سلبية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت للكل بدون استثناء أن ينشروا كل ما يريدون دون رقابة مسبقة للمحتوى، ونعلم أن هذا له إيجابيات وسلبيات في الوقت نفسه وبما أننا في صدد ذكر الإيجابيات فمنها على سبيل المثال: أنه أصبح بإمكاننا كشف أصحاب الأفكار المنحرفة المنتمين إلى بعض الجماعات والتنظيمات الإرهابية وغيرها ممن تحمل العداء للدين والمجتمع والوطن، فقد أتاحت لنا وسائل التواصل الاجتماعي إمكانية تقييم الأشخاص من خلال معرفة من يتابعون وبمن يتأثرون وما نوعية الخطابات والأفكار التي تجذب اهتمامهم وتحظي بتأييدهم من خلال إعادة نشرهم لها أو تفضيلها أو من خلال تعليقاتهم على القضايا.
وقد لاحظنا مؤخراً سقوط الأقنعة عن كثير ممّن كنّا نظنهم معنا في حب الوطن ولكن مواقفهم في وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في كشف ما يبطنون من سموم تهدد أمننا ووحدة مجتمعنا، وأني أنصح كل مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي أن يتأكد من توجهات أي شخص قبل متابعته أو إعادة توجيه أي تغريدة من حسابه لكيلا يكون داعماً لنشر السموم دون أن يعلم.
ملحمة القول والعمل!
وتبدأ الدكتورة فايزة بنت صالح الحمادي - أستاذ اللغويات التطبيقية المشارك بجامعة الملك فيصل - حديثها بقول رب العزة في محكم التنزيل: {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}، فجعل الله لحن قول المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم زيادة بيان على ضلالهم وتربِّصِهِمْ به الدوائر، وتحيُّنهم من أجل هدم دعوته؛ ولا شك أن سواد الكلام من سواد القلوب، وقديمًا قال المقفع: (فإن الكذب الذي يجري على لسان المنافق من فُضُول كذب قلبه)، أي من زيادته في قلبه، فظهر في ألفاظه، وكما يدل منطق الأسوياء عليهم، فإن المرضى كذلك ينشرون فيروساتهم أينما حلوا.
هكذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وسيلة في كشف البضائع المزجاة والقلوب الخربة والنفوس التي أعمل فيها الحقدُ تقطيعًا.. جاءت فكانت سوقًا ممتدة، لا سقف لها ولا حدود، يعبِّر كل عما يدور بخلده، دون خوف من مراقبة، أو قلق من مطاردة.. فنفث البعض أحقاده متوهمًا أن يدًا لن تطاله: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ}.. لكنَّ هذا دأب المنافقين من أصحاب الإرادة المستلبة، واعوجاج المصير.
وكما تكشَّفَتْ سوءات ألسنتهم، وسقطت آخر أوراق التوت عن عوار حديثهم، فقد رتَّب ذلك على جمهور المثقفين في المملكة التبليغ عنهم والتنبيه إليهم، والإشارة إلى كل من يجعل التعصب دينًا، والكراهية مذهبًا، والحقد طريقًا، والانتقاص من شأن وطنه هدفًا.. بل ومتابعة حتى أصحاب انتهاك الخصوصية وانتحال حسابات والشتامين وعارضي الصور المخلَّة وبائعي الخمور وغيرهم من السابحين في مستنقعات الأسن، يحاولون تلطيخ جدارية المملكة، ولن تتلطخ!
وتؤكد د. فايزة الحمادي إن التحذير منهم والتبليغ عنهم، ومن ثم عزلهم عن موطن الإفساد في المجتمع، مسؤولية إنسان ربانيٍّ، صاحب وازع يعرف به أنه مُطالَب بإماطة الأذى عن الطريق.. فيتحقق الشعار الذي رفعته المملكة مؤخرًا (كلنا أمن)، بحيث يكون الْمُبلِّغ هو رجل الأمن الأول.. بما يضمن الاضطلاع بالمسؤولية، والإحساس بالتكليف!بهذا تنفي المملكة الخبث إلى موطنه الملائم، وتُطهِّر أرضها بسواعد أبنائها البررة، الذين يعرفون لها حقها، ويسعون في درب الجهاد الحقيقي، الذي هو نصرة الظالم بردِّه عن ظلمه، والذي هو العدل الذي يضبط حركة الكواكب والنجوم، فلا تميد، وهو النظام حيث تكون أذرع الفوضى الممولة من الخارج تستهدف أبناءنا، وهي المقصلة لكل رأس طالت عن حدود الأدب وإرادة الخير.. أتباع الباليستي والاختباء وراء صدور الأطفال وسرقة الجهد والتعب.
إذا استطعنا تحقيق ذلك حقًّا فسنكون قد أحسنا تطويع وسائل التواصل الاجتماعي، لتكون منبرًا حقيقيًّا، يساعد في بناء المملكة، وإزاحة كل متستر خلف اسم وهمي.. فمن أمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدب!