فهد بن جليد
في مرحلة من مراحل حياتي كُنت -كغيري من الأقران- لا أقبل طرح قناعاتي الشخصية على طاولة الحوار أبداً, وأرى أنَّ التراجع عنها ضعف شخصية لا يليق بي, وأنَّ علي القتال والدفاع عن أفكاري والانتصار لها, لو كلفني الأمر خسارة صديق أو الرسوب في مادة دراسية أو فقدان وظيفة, ولكنَّني اكتشفت فيما بعد أنَّ من الشجاعة والحصافة إعادة النظر في قناعاتك دوماً, ومُراجعتها أمام الحقائق التي يسوقها الآخرون في حواراتهم معنا.
فالحوار الناجح بين الأفراد هو نتاج انفتاح وتسامح وخُلق بشري كسلوك مُكتسب, وبالنسبة لنا كمُسلمين هو دين قبل كل شيء علينا التحلي به بكل رُقي, فالإسلام دين الحوار والتسامح والفهم والعلم والقراءة والاطلاع.. للوصول للحق والحقيقة, واكتشاف الصواب دائماً والدعوة إليه بدفع الشبهة, وإقامة الحجة, فالله خلق الناس مُتنوعين مُختلفين في أفكارهم وقناعاتهم ومشاربهم تحكمهم التربية والنشأة والطبيعة الثقافية لكل نوع, لذا من حقي أن أتحاور معك وأختلف, دون أن يُشكِّل هذا خلافاً بيننا, والأجمل أن نتبادل أنا وأنت (الرأي والمعرفة) بكل احترام, دون أن يُقصِي أي منَّا رأي الآخر أو يُهمِّشه.
ما أسهل قول وترديد الكلام السابق, وما أصعب تطبيقه على أرض الواقع أو قبوله, كتجربة شخصية لدي قناعة بأنَّ هذا السلوك المُكتسب (يزيد وينقص) بحسب الحالة المزاجية والظروف المُحيطة والمصلحة أحياناً, لذا أُجري على نفسي (اختبارات دورية) لمُراقبة مُستوى تقبلي لآراء الآخرين من حولي, ومدى قبولي باختلافهم معي دون أن يؤثر هذا على علاقتي بهم, أحياناً أدَّعي المثالية ولا أُجيدها, لأنَّني بشر في نهاية المطاف قد أسقط في براثن (الأنا والانتصار للنفس), لذا عندما أكتشف أنَّني مارست السلطوية أو الاستبداد بالرأي وترهيب من يختلف معي بسطوة العبارة وبحلقة العيون لكي لا نرى جميعاً سوى لون واحد اخترته سلفاً, سرعان ما أتذكر أنَّ هذه الحالة قد تُصيب (عقلي بالعُقم) و(شلل التفكير) وأنَّ اختلافي مع من حولي نعمة من الله لزيادة كل منا لمعارفه ووسع أفقه, فمن يتفق معك في الرأي والقول -طول الوقت- أخطر عليك ممَّن يختلف معك, ويُحفزك لتجديد وزيادة ومُراجعة مخزونك الثقافي والمعرفي.
وعلى دروب الخير نلتقي.