اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
منذ بزوغ فجرها في الخامس من شوال عام 1319هـ، الموافق الخامس عشر من يناير عام 1902م، والدولة السعودية تُعْنَى بإعلاء كلمة الله وتوحيده، وتنزيهه جلَّ وعلا عن الشرك، وإفراده بالعبادة، ومحاربة البدع والخرافات، وتنقية الدِّين الحنيف من كل ما علق به نتيجة الجهل والدَّجل والشعوذة وضعف الإيمان، والتكالب على السلطة والاستئثار بالثروة. كما تُعْنَى الدولة السعودية أيضاً بتأمين وصول المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها إلى بيت الله الحرام، وتوفير كل ما يلزمهم من أسباب الراحة والاطمئنان لأداء مناسك الحج والعمرة في سهولة ويسر. وتُعْنَى الدولة السعودية بجانب هذا كله بدعم العرب والمسلمين، ومناصرة قضاياهم العادلة، بل مناصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض حيثما كانوا، إضافة لدعم الأمن والسلم العالميين من خلال جهودها الاستثنائية المتميزة في محاربة الإرهاب والتطرف، وتوظيف ريادتها الإسلامية وثقلها السياسي والاقتصادي في المنطقة والعالم للتوسط في حل النزاعات بين الأشقاء والأصدقاء وديَّاً دونما إراقة دماء وتبديد ثروات وضياع أوقات، أجل.. تلك هي ذروة سنام الرسالة السامية العظيمة التي تضطلع بها المملكة العربية السعودية منذ نشأتها، بل قل رسالتها الفريدة التي من أجلها أنشئت، وستبقى ملتزمة بها إلى الأبد إن شاء الله، لا يثني عزيمتها قدح، ولا يقعدها مدح.
هذا فضلاً عن إقامة العدل بين مواطنيها، والعمل الدؤوب ليل نهار من أجل خدمتهم وسعادتهم، وتوفير كل متطلبات الحياة الرغدة الكريمة من أجلهم، الذي هو مسؤولية كل دولة في العالم بالضرورة.
والحق يقال، فقد ظهر هذا جلياً في نهج قادتها الكرام، بداية من عهد مؤسسها الملك الصالح عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، الذي أعلن في فجر ميلاد دولته الأبية الشامخة أن الحكم لله، فاتخذ من القرآن الكريم وسُنَّة سيد المرسلين -عليه أتم الصلاة وأزكى التسليم- دستوراً يحكم حركة الحياة؛ لأنه الضمانة الوحيدة لتحقيق رسالة دولته السامية العظيمة.
فسار على نهجه كل من تولى الحكم بعده من أبنائه الكرام البررة، الذين أعدَّهم عبد العزيز أيما إعداد لمواصلة قافلة الخير القاصدة، بداية من الملك سعود، فالفيصل، ثم خالد، فالفهد، فعبد الله - طيَّب الله ثراهم - وصولاً إلى هذا العهد الزَّاهر الميمون، عهد سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين ملك المعرفة والعلم والحزم والعزم والحسم والرأي السديد، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، يؤازره ابنه الفارس الذكي النجيب، أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي عهدنا الشهم الشجاع النبيل، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، حفظهما الله ورعاهما وسدَّد على طريق الخير خطاهما؛ إذ أعاد سلمان هيكلة الدولة منذ الساعة الأولى التي تسلم فيها سدة الحكم فجر الثالث والعشرين من يناير عام 2015م، وحولها بدعم ولي عهده الأمين إلى ورشة هائلة للعمل والإنجاز النوعي، فحققت البلاد قفزات هائلة في كل المجالات، ولاسيَّما الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، السياحية والتطورية؛ وهكذا تمكن سلمان مليكنا المفدى، وقائدنا الهمام بتوفيق الله تعالى، ثم بما عرفه عنه الجميع من همة عالية ونفس كبيرة وحزم وحسم لا مثيل له، تمكن من توجيه المجتمع عبر عاصفة هوجاء من صحافة العالم الصفراء، حتى عبرنا اليوم إلى بر الأمان. فدارت عجلة اقتصادنا قدماً؛ إذ تستعد الحكومة قريباً لإعلان أضخم ميزانية في تاريخ البلاد، كعادة قادتنا من آل سعود الكرام، فكل خلف يضع مزيداً من اللبنات الراسخات على ما أرساه السلف من خدمة وخير وعمل وإنجاز نوعي.
ليس هذا فحسب، بل استطاع قائدنا سلمان خلال هذه الفترة الوجيزة في عمر الدول ترسيخ مكانة المملكة السياسية، فأعاد صياغة سياسة المنطقة، ووجَّه بوصلتها نحو العمل الجماعي، فحقَّق من الانجازات في سنوات معدودات ما عجزت عنه جامعة الدول العربية بقضها وقضيضها في عقود عجاف، والأمثلة على هذا تجل عن الوصف، ليس أقلَّها تحالف دعم الشريعة في اليمن، وتشكيل التحالف العسكري الإسلامي، ومناصرة قضية العرب والمسلمين الأولى في فلسطين الجريحة، خاصة ما تطالب به المملكة اليوم من ضرورة اهتمام المجتمع الدولي بحل قضية فلسطين وعودة اللاجئين.
فازدادت ثقة العالم بحكمة قادة بلادنا، فشد كبار الزعماء من الشرق والغرب والشمال والجنوب رحالهم إليها، حتى أصبحنا شريكاً أساسياً، لا يمكن تجاوزه في توجيه دفَّة سياسة العالم الذي قدر لقادتنا الكرام جهدهم الصادق الدؤوب في تحقيق السلم وترسيخ الأمن العالميين من خلال جهودهم الاستثنائية في محاربة الإرهاب والتطرف واجتثاث شأفتهما، التي يقف المركز العالمي لمحاربة الإرهاب والتطرف شاهداً عليها.
من جهة أخرى، لم يدخر قائدنا الهمام سلمان جهداً في نصرة إخوة الدم والعقيدة حيثما كانوا.. في العراق، سوريا، مصر، ليبيا، تونس، الصومال، السودان واليمن (السعيد)، الذي حوله الحوثيون اليوم بدعم إيران، راعية الإرهاب، إلى أكثر بلاد العالم بؤساً وحزناً. فتصدت لهم قوات التحالف العربي بقيادة بلادنا، الذي شكله سلمان بحكمته وحنكته وثقة الأشقاء فيه، فوفر له كل ما يلزم من دعم ومساندة بالرجال والمال والعتاد، لدعم الشرعية ونصرة الأشقاء وردع غرور الصفويين الذين يحلمون عبثاً بالسيطرة على المنطقة.
والحقيقة لم يكن لقائد مثل سلمان أن يكتفي بالمجهود الحربي، بل مثلما أرسل جحافل جيشه الجرار لنصرة الحق، سيَّر قوافل خيره لإغاثة المحتاجين من خلال مركز الملك سلمان للإغاثة؛ إذ أكد الأخ الدكتور عبد الله الربيعة، المشرف العام على المركز، أن مساعدات السعودية التنموية والإغاثية التي قدمتها للجمهورية اليمنية وللشعب اليمني الشقيق خلال السنوات الثلاث الماضية بلغت أحد عشر مليار دولار، ساعدت على تأسيس (136) مشروعاً بمختلف القطاعات، كالصحة والأمن الغذائي والتعليم، فضلاً عن (561) ألف زائر يمني استقبلتهم السعودية، وقدمت لهم خدمات صحية، ووفرت لهم فرصاً تعليمية وتشغيلية. وأنا أكتب هذا تداعى أمام ناظري مشهد الأخ الشاعر سعود الحافي وهو يلقي قصيدته الترحيبية الشاملة أمام قائدنا سلمان عند استقبال أهالي القصيم لمقامه السامي الكريم، وترحيبهم به عند زيارته مؤخراً للمنطقة؛ إذ يقول الأخ الشاعر سعود الحافي:
القصيم اليوم غاشيه نسناس البراد
زارته ديمومة الوسم وأحيت كل عود
مرحباً باللي عن الحق ما اختار الحياد
ينتصر للحق والحق بالنصر معقود
الملك سلمان في نصرة المظلوم جاد
نجم غيره في تراجع ونجمه في صعود
بالشريعة يلجم السيف ويفك القياد
والظلم يكبله بالسلاسل والقيود
وصحيح كانت تلك القصيدة عملاً أدبياً شاملاً، لا أتجاوز الحقيقة إن قلت إنها ذكرتني بـ(ملحمة عيد الرياض) للشاعر الأديب اللبناني بولس سلامة. ولما كان الشيء بالشيء يذكر، تذكرني هذه القصيدة الرائعة أيضاً بما جاء في كلمة أمير منطقة القصيم الترحيبية بقائدنا سلمان: «يا خادم الحرمين الشريفين.. أنت من كان يقول عنه أهل الرياض، عندما كنت أميرها، إذا أرادوا العدل والإنصاف: والله، ما يردني إلا سلمان بن عبد العزيز». والحقيقة مع هذا، لا بد من تذكير الجميع بدعم سلمان الخير والأمن والأمان للأشقاء في سوريا ولبنان وليبيا والسودان وغيرها من بلدان العالم التي تنشد الدعم والمساعدة.
وصحيح أيضاً أن جهد سلمان وعمله وإنجازاته النوعية المتميزة من أجل الوطن والأُمَّة والعالم تُعجز مَن يحصيها، ولا غرو في ذلك؛ فقد أفنى عمره المبارك كله في خدمة رسالة بلاده؛ إذ تولى المسؤولية وهو لم يكن قد تجاوز عتبة ربيعه التاسع عشر بعد، عندما تم تعيينه أميراً لمنطقة الرياض في 16-3-1954م، ولم يكن عمله مقتصراً على منطقة الرياض فحسب، بل شاملاً للوطن، كل الوطن، إضافة لهموم الأمتين العربية والإسلامية. يسانده اليوم ويشد من أزره ولي عهده الأمين ابنه الشهم الشجاع الكريم النبيل، أخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، مهندس رؤيتنا (2030) الذكية الطموحة، التي أعادت صياغة الدولة والمجتمع، وكدنا نقطف ثمار غرسها الطيب المبارك اليوم، لاسيَّما بعد تنفيذ معظم برامج التحول الوطني (2020)؛ إذ دفعت بسواعد الشباب السعودي إلى المصانع والمعامل والمتاجر والمؤسسات دعماً للقطاع الخاص الذي يمثل رافداً مهماً لأمننا الاقتصادي غير النفطي.
وهو قول يصدقه العمل؛ فقد ظهر هذا جلياً خاصة أثناء إعدادي هذا المقال للنشر من خلال مئات المشروعات التي دشنها قائدنا الهمام سلمان أو افتتحها ولي عهدنا الأمير محمد بن سلمان في مختلف المجالات التعليمية، الإسكانية والاقتصادية، إضافة إلى عشرات المبادرات الاجتماعية والسياحية والتطويرية أثناء زيارة المقام السامي الكريم إلى منطقتَيْ القصيم وحائل.
وقطعاً سيعم الخير مناطق بلادنا كافة إن شاء الله، وسترون هذا وأكثر كلما زار سلمان هذه المنطقة أو تلك، متفقداً أحوال المواطنين الكرام فيها.. فلا غرو إذاً إن أظهر السعوديون هذا الاحتفاء بسلمان كلما زار مكاناً، ولا غرو أن يتسابق السعوديون اليوم لتجديد البيعة لمقامه السامي الكريم، بل لا غرو أيضاً أن تزداد حدة سعار الفاشلين الحاقدين الحاسدين الذين قض مضاجعهم نجاح السعوديين وتفردهم وتميزهم بين الأمم؛ ليشتروا الذمم ويؤلبوا الصحافة الصفراء الرخيصة؛ لتكيل الاتهامات والافتراءات والمزاعم للسعوديين ولقيادتهم الرشيدة الذكية الحكيمة ظناً منهم أنهم قادرون على تعطيل قافلة خيرنا القاصدة، لكن هيهات.. هيهات؛ فقد رد لهم السعوديون كيدهم في نحورهم؛ فزاد تلاحمهم مع ولاة أمرهم مؤكدين ولاءهم وإخلاصهم ووفاءهم من خلال ذلك الاحتفاء الاستثنائي بقيادتهم في القصيم وحائل وتبوك والجوف والحدود الشمالية الذي تناقلته فضائيات العالم المهنية المحترمة، بل هو ديدن السعوديين الأوفياء مع قادتهم الكرام في كل مكان وزمان، لا تغير مبادئهم واستعدادهم لأداء رسالتهم نازلة هنا أو مؤامرة هناك، ولا تلهيهم مثل هذه الترهات والممارسات غير الأخلاقية، وإن علا صخبها؛ لأننا أُمَّة علم وعمل وإنجاز، نتعامل بالفعل والحكمة.. لا برد الفعل.. وسيرى العالم أجمع غداً أنه لا أحد بوسعه تعطيل مسيرة السعوديين، ولا أحد بإمكانه تجاوز السعودية في حل مشاكل العالم.. فطموحنا عنان السماء، وهمتنا أشد رسوخاً وثباتاً من طويق كما يؤكد أخي ولي العهد دوماً.
فالتحية لقائد مسيرتنا البطل الهمام، سلمان السلم والخير والأمن والأمان، ولولي عهده الأمين الشهم الكريم الشجاع النبيل.. مؤكدين بلسان رجل واحد تجديد البيعة والولاء والإخلاص والوفاء لقيادتنا الحكيمة، ولرسالة بلادنا السامية العظيمة إلى الأبد.