ميسون أبو بكر
كان العرب قبل الإسلام يجتمعون عند الصخرة في عكاظ يقرأون الشعر ويتعاكظون، ولَم تنقطع اجتماعاتهم بعد الإسلام، بل ازدهرت مجالس للشعر والأدب والثقافة لعله من أكثرها شهرة مجلس عبدالملك بن مروان.
وقد أخذت لها بعداً أدبياً آخر في عصر بعض الخلفاء الذين اعتنوا بالشعراء وأحسنوا لهم متكأ مثل سيف الدولة الحمداني الذي خلده شعر المتنبي وأرخ لتلك الحقبة.
الصالونات تضيف الكثير للثقافة والأدب إن خرجت عن الوجاهة الاجتماعية التي كثرت في أيامنا هذه، وإن اقتصرت مواضيعها على الأدب والشعر، حيث ما يطرح اليوم خرج بهذه المجالس عن إطارها الثقافي، وجنح بها إلى أطر أخرى.
إن ذكرت مي زيادة تبادر إلى الذهن صالونها الأدبي الشهير وكل أولئك المارين به.. مي بحد ذاتها حكاية، حيث ظهرت في زمن كانت النساء الكاتبات الأديبات قلة فيه؛ مي المثقفة الحقيقية المؤلفة والمترجمة التي تتقن تسع لغات أقامت صالوناً أدبياً كل ثلاثاء استقطب عمالقة الأدب والشعر ولَم يستثن رجال السياسة الذين ما تغيب أحد منهم قط إلا في أحايين قليلة جداً وظروف قاهرة وظل الصالون وجهة لعمالقة العصر حتى غيب الموت صاحبته التي كتب في صالونها الكثير من رواده، كتب به إسماعيل صبري:
روحي على بعض دور الحي حائمة
كظامئ الطير تواقا إلى الماء
إن لم أمتع بمي ناظري غدا
لا كان صبحك يا يوم الثلاثاء!
وكتب خليل مطران في رحيلها ناعياً صالونها الثقافي:
أقفر البيت أين ناديك يا مي
إليه الوفود يختلفونا؟
في مجال السبق آل إليك السبق
في المنشئات والمنشئينا
نعمة ما سخا بها الدهر حتى
آب كالعهد سالبا وضنينا
في الحجاز وجد مجلس سهيلة بنت الحسين قبل أن توجد كل هذه المجالس، ولم يتجاوز عمرها الـ14 عاماً، ويحضر عندها العلماء والأدباء والشعراء.
إذا الصالونات ظاهرة ثقافية أدبية شعرية خلقت فضاء من الحوار الأدبي الذي يسمو بالروح ويروج للفن والأدب ولا يكاد يتقاطع مع الأندية الأدبية التي لها مساراً رسمياً مختلفاً، وللصالون حميميته التي يميزه به نوعية الحاضرين وإدارة المضيف.
لا أريد أن أدخل في جدل من أوجد هذا النمط من اللقاءات الثقافية الرجل أو المرأة لأنني أدرك أن المهم هو انعقاد بيوت الثقافة هذه لتحقيق ما أوجدت له، ولا أنسى العصر الذي بدأت به مي زيادة صالونها الثقافي ودعم الرجل في ذلك الوقت لتعليم وتثقيف وحضور المرأة.
في المملكة نفتخر بصالونات لم تفقد نكهتها الثقافية كإثنينية عبدالمقصود خوجة أطال الله عمره والذي كان له دور كبير في تكريم المثقفين ومن خدم مجتمعه بمنجزه وفكره.
تحية للشاعرة سلطانة السديري ولرائحة المكان العبقة بالعود والشعر والذي كنت إحدى المارات منه في عناق مبكّر للرياض.