د.مساعد بن عبدالله النوح
الشدائد هي المحن التي تنزل بالفرد أو بالمجتمع بسبب تدخل الإنسان أو لظرف خارج عن سيطرته، كالأمراض والكوارث الطبيعية والحروب والحملات الشرسة والحالات الإنسانية الملحة من مشكلات وظواهر وقضايا وغيرها. وما يترتب على الشدائد من نتائج، فقد تطير بعقول الكثيرين وتفقدهم رشدهم وصوابهم وتوازنهم وحتى عقائدهم وإيمانهم -والعياذ بالله- إذا لم يكن عندهم ثابت وراسخ يقAودهم إلى التصرف الحسن بما يناسب كل الشدائد.
والشدائد هي جزء من طبيعة الحياة البشرية، ونتيجة حتمية لتفاعلات الناس مع بعضهم؛ لأنهم يختلفون عن بعضهم في المبادئ والطموحات، وبالتالي فغير المألوف ألا تحدث خصومات بين الناس، ولكن تبقى معادن الناس هي الفيصل في استمرار صناعتها، وترسيخ عمرها.
والصراع بين الحق والباطل، والصحيح والسقيم في الأمور قديم قدم الإنسان، وقائم منذ أن خلق الله الخليقة، كما أن الحياة ليست حلوة ومفرحة على الدوام، وإنما هي مزيج من الأفراح والآمال والأحزان والألم، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك، 2).
ولم يستثن منها خيار الخلق وهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وصحابة رسوله الكريم رضوان الله عليهم، ومروراً بأصحاب الفضل والعلم والمال والجاه. لكن يتفاوت الناس في درجات احتواء هذه الشدائد ومعالجتها.
وهي أنواع، وكلها لها صفة التبدل، بمعنى أنها لا تدوم؛ لأن رحمة الله واسعة بعباده وأرضه. وهي في الأصل اختبار وابتلاء، فكما يكون الابتلاء بالخير والنعم، قد يكون بالشر والنقم، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء، 35)، وقال فيما يأتي الناس من الناس {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} (الفرقان، 2)، وقال تعالى في شأن الإيمان وما يمكن أن يعًرض لأهله من الاختبار {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت، 2-3).
وتواجه المملكة العربية السعودية هذه الأيام حملات مسعورة عبر قنوات إعلامية ومواقع إلكترونية. وهي ليس الأولى من نوعها، فقد تمكنت ولله الحمد من التصدي لها بحكمة واقتدار، ومن المؤسف حقاً أن تستضيف هذه القنوات الحاقدة أسماء من أبناء المجتمع؛ ليقدموا لجمهورها معلومات وتحليلات تشفي غليلهم والقائمين عليها.
وعلى قدر ما تسببت هذه الحملات في حدوث آلم وأوجاع وقلق في قلوب أبناء المجتمع السعودي ونفوسهم، إلا أنه من المتوقع أنها ستسهم في تحقيق عدة فوائد أو عوائد يحتاج إليها الفرد السعودي والمجتمع السعودي على حد سواء. ونظراً لكثرتها وتداخلها مع بعضها وعموميتها، فإن هذه المقالة وزعت هذه العوائد إلى مجموعات وفق التسميات التالي:
العوائد الدينية، ومنها: اللجوء الصادق إلى لله عز وجل، وتزكية النفس والإخلاص له، والتوبة إلى الله والإنابة إليه، والتضرع والدعاء إليه، وتكفير الذنوب والخطايا، ورفعة المنزلة عند الله، والثواب العظيم الذي أعده الله للمبتلين، والتمييز بين الفرد الصابر والمتسخط، وتحقيق عقيدة الولاء والبراء، وجلب صلوات الله ورحماته الواسعة لعبده الصابر، واليقظة من الغفلة، ومعرفة قدر نعم الله كالصحة والعافية والمال والأمن، وطاعة ولي الأمر، والسمع لتوجيهات العلماء.
العوائد الأخلاقية، ومنها: التحلي بالصبر على الابتلاء، والالتزام بالصدق، والتواضع، والحلم والأناة، والجود والإيثار، وحب الخير للمسلم وكره الشر له، والشجاعة وقوة القلب، وزيادة خبرة الإنسان، والاستقامة، والقدوة الحسنة، والشعور بالمظلوم والمستضعف.
العوائد الاجتماعية?، ومنها: الوقوف صفاً واحداً خلف قيادتها وعلمائها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومواجهة الظلم في المجتمع، وترسيخ ثقافة الشورى في المجتمع، وتحقيق الأخوة، والتكافل، والتراحم، والكشف عن معادن الناس وتميز الطيب من الخبيث، والصادق من الكاذب.
العوائد النفسية، ومنها: معرفة الذات على ما هي عليه من ضعف أو قوة ومن صفاء أو خلط، والكشف عن القدرات الكامنة في التصدي، وتحقيق السعادة في حياة أفراد المجتمع نظير تكييفهم مع المتغيرات، والرضا بقضاء الله وقدره، وتحقيق الأمن والطمأنينة، وتجديد الإرادة والعزيمة، وتنمية الأمل والتفاؤل في النفوس، وتعزيز أواصر المحبة بين القلوب، ومجاهدة النفس.
العوائد الأمنية، ومنها: العمل على نشر الثقافة الأمنية لدى أفراد المجتمع وأثرها في تطور المجتمع، ودعم الانتماء الوطني والهوية الوطنية، وترسيخ مبدأ المسؤولية الاجتماعية لدى الجميع، وتعزيز الوعي الشرعي الصحيح بين أفراد المجتمع في موضوعات أمنية عدة، وحماية النشء والشباب من التفاعل مع الشائعات التي تبثها مواقع إلكترونية مجهولة أو مغرضة، وإكساب الفرد مهارات التفكير الموضوعي والتفكير الناقد للتمييز بين الأفكار الصحيحة والأفكار السقيمة.
العوائد الاقتصادية، ومنها: التفكير في تنشيط قوة البيع والشراء، واحتواء العمالة الوافدة، ودراسة حاجات سوق العمل، وحماية عملة المجتمع من الهبوط، واللجوء إلى بدائل لحماية المجتمع من القروض، ومعالجة البطالة، واللجوء إلى التعامل المناسب مع أجور الموارد البشرية، وتشجيع استثمار رؤوس الأموال الوطنية، وتنويع استخداماتها في مشروعات جديدة، والتفكير في مصادر دخل حيوية، ومعرفة آليات الاستفادة من رأس المال الأجنبي.
ومن يقرأ أقوال بعض المشاهير سيجد الاتفاق على أن للشدائد فوائد عدة، قال جورج برناردو شو «صبرك على الشدائد مهارة تستحق التقدير»، وقال جابرييل جارثيا ماركيث «إن الحب يكون أعظم وأنبل ما يكون وقت الشدائد» وقال الإمام الشافعي رحمه الله «جزى الله الشدائد كل خير... وإن كانت تغصصني بريقي، وما شكري لها حمداً ولكن... عرفت بها عدوي من صديقي» وقال الشيخ محمد غزالي رحمه الله «الرجال يعرفون أيام الشدائد لا أيام الموائد».
حفظ الله بلادنا ورموزها ومقدراتها وشعبها النبيل من كل مكروه، وزادها قوة وصلابة في مواجهة كل مكر وكيد لها يستهدف إسقاط هيبتها وتقليص تأثيرها... آمين