زكية إبراهيم الحجي
مهما تعددت تعريفات العولمة ومذاهبها إلا أن معظم التعريفات تؤكد فكرة اندماج وتداخل معظم شؤون حياة البشر لتصبح شعوب العالم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، ومتصلة مع بعضها في مختلف شؤون الحياة.. إذن يمكن القول إنها شكل من أشكال شبه التوحيد العالمي.
وعلى الرغم من وجود عدة أبعاد للعولمة كالبعد السياسي والبعد الاقتصادي والثقافي.. وكذلك البعد الاجتماعي، إلا أن هذه الأبعاد ترتبط مع بعضها البعض ارتباطاً وثيقاً.. والمتعارف أن الكثيرين تناولوا بفيض العولمة الاقتصادية، وبات التركيز عليها أكثر اهتماماً من غيرها لجعل العالم سوقاً واحدة مفتوحة، ولعل ذلك بمفاده العام يعتبر إيجابياً، إلا أن البواطن تهدف إلى تغليب مصالح الدول وتنشيط تداول التجارة العالمية دون قيود؛ لذا ما يهمني في هذه المساحة هو تسليط الضوء على البعد الاجتماعي للعولمة ومدى تأثيرها على الأسرة.
لا شك أن التحولات التي يشهدها العالم اليوم وما يمر به من متغيرات متعددة شملت جميع مناحي الحياة وما رافق ذلك من تطور وتقدم تكنولوجي أدى إلى تغيير كبير في مجالات الحياة، خاصة الحياة الاجتماعية للأسرة والتأثير السلبي على عملية التنشئة الاجتماعية.. ورغم الجوانب الإيجابية التي حققتها واستفاد منها الفرد والأسرة بصورة لا يمكن إنكارها، وذلك لأهميتها في حياته اليومية، إلا أن آثارها السلبية تكاد تتساوى مع إيجابياتها، وهنا يكمن صراع الأضداد الذي يغيب عن عقول كثير ممن يسهب تعلقاً بكل ما هو إيجابي يأخذ بالألباب دون البحث عن سلبيات يمكن أن تلقي بظلالها على الأسرة والمجتمع.
تقف الأسرة اليوم أمام تحديات كبيرة بسبب تكنولوجيا المعلومات والتقنية الحديثة والأجهزة التي غزت أسواق العالم، وجعلت الآباء أمام امتحان كبير وصعب في كيفية تربية الأبناء تربية تحصنهم من الانزلاق في مغريات ما يعرض ويُسمع.. إن من أهم الوظائف التي تؤديها الأسرة للمجتمع هي وظيفة تنشئة يتمخض عنها تزويد المجتمع بأفراد يؤمنون بمبادئه وقيمه وأهدافه.. يؤمنون بقيمة الانتماء للوطن والذود عنه والولاء والإخلاص لقادته.. فالأسرة هي من يلقن الجيل الجديد لغة المجتمع وقيمه.. وهي من تذكره بتاريخ الوطن وأمجاده وتصب في عروقه كل ما يحمله المجتمع من صفات اجتماعية وأخلاقية.
ومن الملاحظ أن التغير الذي يحدث في ظل العصر الحديث أدى إلى تغير وظائف التربية بسبب تزايد معلوماتي وتصادم معرفي وانفتاح المجتمعات الإنسانية على بعضها البعض، وبالتالي أدى ذلك إلى تعقد مسؤولية التربية حتى باتت ثقيلة وصعبة.. ففي إطار الاتجاه لاحتكاك وتلاحم بالثقافات المتباينة يصبح الأطفال والناشئة ضريبة احتكاك ثقافي متباين.
العولمة الاجتماعية هي نتاج لفرض معادلة مفادها أن النظام العالمي باستطاعته تنميط المجتمعات تحت أساليب.. وحجج وذرائع وهمية يُراد منها تحسين الواقع المعاش وخلق واقع مغاير تماماً عن واقعنا تحت شعارات براقة فلسفتها تغيير الواقع الاجتماعي.