اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
لا يشك عاقل منصف في مكانة المملكة الدينية التي تنفرد بها عن غيرها، فدستورها القرآن الكريم والسنة النبوية، ومرجعيتها الأخلاقية تنبع من مرجعيتها الدينية، فضلاً عما ينبثق عن هذه المرجعيات من مبادئ وآداب مرعية ومثل وقيم إنسانية، وكذلك الأعراف والتقاليد والعادات المرتبطة بالثقافة والتاريخ، وكل هذه الفضائل تُحرِّم الاغتيالات والتصفيات الجسدية، كما ترفض الممارسات العنيفة، وتُجرِّم مرتكبها وتنزل به أقسى العقوبات.
والآن وقد بدأت طلائع النور تظهر، وبشائر الحق تنشر من خلال ما أفصحت عنه النيابة العامة من حقائق، وبما أن نقد الذات يعتبر ضرورة ومدخلاً للدفاع عنها، فلا مناص من توضيح شيءٍ حول الجناية على النفس التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه، حيث أساءت إلى الوطن وجعلته مستشرفاً وبالقذف مستهدفاً من قبل الأعداء.
وقد قال أحد الحكماء: لم يدرك الإنسان مدركًا مثل إساءته، وبما لا يتعارض مع هذه الحكمة فإن الإساءة التي يكْمُن خلفها عدواة تعتبر أمراً غير مستغرب، كما أن التنافس والتحاسد وتعارض المصالح قد ينجم عن ذلك شيء من الإساءات، والعاقل يتعامل مع هذه الإساءات بالأسلوب الذي يضمن التغلب عليها، وتحييد آثارها السلبية ومنغصاتها النفسية، ومهما يكن من أمر فإن الإساءة التي يتعرض لها الإنسان من قبل الغير، غالباً ما تكون أخف وطأة وأقل تأثيراً عليه من إساءته إلى نفسه، بوصفه في الحالة الأولى يعتبر مجنياً عليها، بينما في الحالة الثانية يكون هو الجاني، جامعاً بين الجناية على نفسه والجناية على الغير.
والإساءة حسب مفهوم الحكمة المذكورة تجميع بين الجناية على النفس والجناية على الغير، وقد تكون بالقول، وقد تكون بالفعل أو كليهما، إذ ليس ثمة عدو للإنسان أعداء من جهله، ولا يجلب له الضرر مثل لسانه، ولا يغلب عليه ويقهره مثل هواه، ولا يسلب العاقل عقله مثل الغضب.
والجناية على النفس قد يقتصر تأثيرها على مرتكبها وقد تتعداه إلى غيره، وهذ التأثير بما له من انعكاسات وما يترتب عليه من تداعيات يختلف باختلاف الجنايات والإساءات من حيث حجم الجناية، أو الإساءة وطبيعتها وزمانها ومكانها وحالة المجني عليه وظروف الجاني على نفسه بما في ذلك ما له وما عليه تجاه ذاته وتجاه غيره.
وعادة ما تكون الجناية على النفس بسبب الجهل واتباع الهواء والإعجاب بالنفس، علاوة على ما يندرج في إطار هذه الآفات الثلاث من عدم التثبت وسوء التدبير وقصر النظر على النحو الذي يُزِّين للمتخلق بهذه الرذائل الإقدام على المكروه دون أن يحسب حساباً للعواقب الوخيمة والنتائج الأليمة المترتبة على هذا العمل البائس والتصرف اليائس، كما حصل بالنسبة للأفراد الذين ارتكبوا جريمة قلت الصحفي السعودي، غير مبالين أو مدركين بما قد تؤول إليه الأمور من جراء ما أقدموا عليه من خطأ فادح وجرم فاضح. الذي يجني على نفسه بالوقوع في جريمة فاضحة ترتد انعكاستها على الآخرين لا بد من أن يعاني ما يعانيه من الخيبة والندم، وأن يكون عرضة لوثبة الخصم الذي يتربص بهه الدوائر، مما يدل على أن الجناية الفردية في حالات ومواقف معينة، لا تتوقف أضرارها ومخاطرها على الجاني بمفرده، بل تتخطاه إلى وحداته الانتمائيه الخاصة والعامة، حيث إن جناية الفرد عندما تُلقي بظلالها على الجهات التي يمثلها أو يحمل هويتها أو ينتمي إليها يتداعى لها الكثير من التداعيات، مما يزيد من تأثيرها، ويجعلها أشد مضاضة وأكثر إيلاماً.
وهذا الوصف ينطبق كل الانطباق على قضية الصحفي السعودي التي تم اقتناصها من قبل أطراف كثيرة للاستفادة من جناية فردية وجريمة جنائية بطريقة يتم من خلالها تعميم الجناية على الدولة والوطن حتى إن ثمة مَنْ سولت له نفسه المريضة أن من الممكن سجن المملكة في هذه القضية وجعلها شبحاً يطاردها في كل مكان، وذلك عن طريق محاولة تسييس القضية والدعوة إلى تدويلها، متخذاً من الجانب الإنساني والممارسات المثيرة فيها وسيلة لاستثارة الرأي العام، لعل في ذلك ما يؤدي إلى عزل المملكة وشيطنتها وجعل العالم ينظر إليها من منظور الجريمة.
ومخطئ من يظن أنه سوف يسجن المملكة في هذه القضية فالمملكة تمتلك من المؤهلات والإمكانات ما يؤهلها للسمو والارتفاع فوق كل أزمة، كما أن عدالة قيادتها وطاعة شعبها وعقيدتها الدينية وأخلاقيات دينها وآداب وأعراف ومروءة شعبها، كل ذلك يجعلها عصية على كل من يحاول أن يرهنها في أزمة أو حادثة معينة، مهما أجلب بخيله ورجله واستغل الظروف المحيطة والوضع الإقليمي حيث يتوفر لديها من الحصانة والوقاية ما هو كفيل بإحقاق الحق وإزهاق الباطل، رغم أنوف دعاة الضلال الذين خاب مسعاهم وفشل مأواهم، والغلبة للخير على الشر والمملكة رائدة في فعل الخير.