رقية سليمان الهويريني
وأقصد الحدود في العلاقات الإنسانية بيننا، والمسافة تعني الأمان الذي يمنع اصطدامنا بمن حولنا أثناء سيرنا في دروب الحياة، تماماً مثل حفظ المسافة بين العربات في الشوارع والتي تقي من الاصطدامات المُهلكة، ومثل المسافة التي توضع بين الكلمات المكتوبة لنتمكَّن من قراءتها.
وكثير منا يرغب في الاقتراب حد الالتصاق مع تهميش تام للخصوصية لأنه بزعمه يرى ضرورة القرب للحفاظ على الرابطة والتعبير عن قوة العلاقة، ويتوقّع أن الاقتراب يشكِّل جدار صد في وجه المشاكل والنكبات. في حين أن الخطوط الحمراء والمساحة الخاصة التي تفصلها المسافات هي الأساس مهما تصورها البعض حواجز وقيوداً تمنع التواصل مع الأحباء المحيطين به خصوصاً بين الأزواج والأبناء والإخوة والأصدقاء والأقارب.
والأمر يحتاج لتوازن وميزان صحي يحكمه الوعي والذكاء، بحيث تحمل إحدى كفتيه الخصوصية والاحترام المتبادل، وتحمل كفته الأخرى الاهتمام والرعاية والحنان.
إن ضبط إيقاع العلاقات يأتي بوضع خطوط حمراء تحفظ لها خصوصيتها، وهامش للتحرك والتصرف الخاص، كما تحافظ على استمراريتها، مع الأخذ بالاعتبار عدم الخلط بين العفوية والعشوائية، فالأولى لا تسمح للشخص بالتعدي على حدود الآخرين، والثانية ما هي إلا فوضى تعبث بالتعاملات وتؤدي لانفعالات غير محسوبة.
والحدود في العلاقات بين الطرفين قابلة للتعديل بين الاتساع والتضييق، لاستمراريتها وارتباطها بالممارسة اليومية، ونجاحها يعتمد على وعي وذكاء أطراف العلاقة، وتتوقف على الأسلوب والوقت المناسب، وهي نظام علاقات متكامل للتعامل مع الآخر.
إن الصورة الذهنية عن الاندماج التي تجعل الاثنين متلاصقين ببعضهما هو في الواقع تصادم والتحام مهلك يفنى فيه الاثنان، ولا يمكن فصلهما إلا بالبتر والتمزيق وقد ينتهي بالموت!
وعلاقة تنتهي بالفناء لا تستحق أن يعمد شخص لقيامها أصلاً أو بناء أعمدتها حين تكون آيلة للسقوط!