د. فوزية البكر
صادف الخامس عشر من شهر نوفمبر الحالي احتفال العالم باليوم العالمي للفلسفة الذي أقرته اليونسكو منذ العام 2002 آملة في لفت أنظار العالم إلى أهمية تدريس الفلسفة باعتبارها طريقًا لمحبة الحكمة ووسيلة لتشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية لأهم القضايا المعاصرة بما يساعد العالم على مواجهة التحديات التي تحيط بالبشرية أين كان مصدرها وبما يشجع على تدريس الفلسفة للشباب وللأطفال تحديدًا.
يقول جوستاين غاردر المؤلف النرويجي في مؤلفه (عالم صوفي):
إن أم الفيلسوف اليوناني المشهور سقراط كانت قابلة وأن سقراط كان يقارن بين الفلسفة وفن توليد النساء: فليست القابلة هي التي تضع المولود وإنما هي التي تقدم مساعدتها كي يخرج الطفل حيًا إلى الحياة، أي أنه وكما أن ولادة طفل هو شيء طبيعي تماما فكذلك بإمكان الناس التوصل إلى الحقائق الفلسفية إذا قبلوا أن يستعملوا عقولهم، فعندما يبدأ الإنسان في التفكير، يجد أجوبته داخل نفسه.
المعرفة الحقيقية وكما يرى غاردر لا تأتي إلا من داخل كل منا دون أن يستطيع أحد قذفنا بها وهذا يعني كما يقول سقراط:
إن بإمكان الناس التوصل إلى الحقائق الفلسفية إذا قبلوا أن يستعملوا عقولهم، فعندما يبدأ الإنسان في التفكير، يجد أجوبته داخل نفسه.
لماذا يستطيع الأطفال إطلاق الأسئلة المدهشة؟ لأنهم ببساطة لم يعتادوا على العالم ولم تتلبسهم أنماط التفكير والرؤى التي تلبست الكبار من حولهم.
يقول غاردر: الأسئلة الفلسفية تخص كل البشر إلا أنهم لا يصبحون كلهم فلاسفة لأن أكثر الناس ولأسباب مختلفة مشغولون بحياتهم اليومية إلى حد لا يترك لهم وقتًا ليندهشوا أمام الحياة، هنا يشكل الفلاسفة استثناء مشرقًا.
فالفيلسوف هو إنسان لم يستطع أن يتعود على العالم!!!
هكذا يتمثل دور الفلسفة في مساعدة العقول على توليد أفكارٍ صحيحة.
لماذا يحتاج العالم إلى الفلسفة أكثر من أي وقت مضى؟ لأنه أصبح مكانًا أكثر قلقًا وخطرًا بسبب خطابات التضييق والكراهية والتفسيرات الثقافية المحدودة بحيث وكما ترى اليونسكو نحن اليوم بحاجة ماسة إلى الفلسفة التي لا تقدم أجوبةً، بل تتيح طرح الأسئلة المناسبة بما يساعدنا على تجاوز حدود حساسيتنا ورؤيتنا الفكرية لبلوغ حرية أوسع أفقاً.
أين تدرس الفلسفة في العالم العربي؟
ينحصر تعليم مادّة الفلسفة في العالم العربي في المرحلة الثانوية فقط وفي دول محددة وهي الجزائر والبحرين ومصر والكويت ولبنان والمغرب وموريتانيا وقطر وسوريا وتونس واليمن، فيما لا تدرّس في المملكة العربية السعودية وجيبوتي والإمارات العربية المتحدة والعراق والأردن وليبيا وعمان والسودان؟؟
هل نصبح أكثر ذكاء عندما ندرس الفلسفة؟
نعم كما تشير إلى ذلك الكثير من الدراسات. ففي دراسة قامت بها Education Endowment Foundation (EEF) ونشرت نتائجها عام 2016 شارك فيها أكثر من 3000 طفل تم اختيارهم من 48 مدرسة ابتدائية في بريطانيا بحيث شاركت 26 مدرسة في جلسات أسبوعية حوارية لمدة عام دراسي كامل لمناقشة مفاهيم مثل العدالة والحرية والمساواة والصداقة في حين استخدمت 22 مدرسة الباقية كمجموعات ضابطة وأوضحت النتائج اللاحقة أن مستويات الرياضيات والقراءة للأطفال المشاركين في الحلقات الفلسفية كان أكبر من الضابطة بما يعادل تدريس إضافي لمدة شهرين في هذه المواد بل إن المدرسين أشاروا إلى ارتفاع جرعة الثقة لدى الأطفال الدارسين للفلسفة وازدياد القدرة على الإنصات للآخرين وكانت النتائج أكثر وضوحًا لدى الأطفال القادمين من أوساط محدودة الدخل.
المدهش أنه ورغم انتهاء التجربة إلا أن آثارها ظلت مع الأطفال المشاركين في التجربة لسنتين لاحقتين حيث امتلك الأطفال طرقًا جديدة للتفكير والمنطق والتحليل بقيت معهم كمهارات تمكنوا لاحقًا من استخدامها في مواد أخرى مثل دراسة الستيم (STEM).
متى دخلت الفلسفة إلى عالم تدريس الأطفال؟
منذ العام 1970 حين صمم البرفيسور ماثيو ليب مان من جامعة نيوجرسي بالولايات المتحدة برنامجه الشهير لتعليم الأطفال مهارات التفكير عبر تعلم الحوار الفلسفي الذي تبنته لاحقًا أكثر من ستين دولة حول العالم.
ربما حان الوقت للتفكير الفلسفي، ماذا ترون؟