د. جاسر الحربش
المشروع الحوثي في اليمن ديني مذهبي رجعي، وكل العالم يعرف ذلك. المشروع قديم كامن كالدمل في الجسد اليمني منذ أطاحت الجمهورية بالإمامة الزيدية الظلامية، وأيضاً كل العالم يعرف ذلك. هذا المشروع الكامن استعاد نشاطه بالاستفادة المتبادلة بينه وبين الإمامة الاثني عشرية الخمينية المذهبية في طهران، وانسجما لدرجة تحول المشروع الحوثي من الزيدية المتوقفة عند الإمام الخامس إلى الاثني عشرية المتوقفة عند المهدي المنتظر خروجه من السرداب، كذلك كل العالم يعرف خلفيات هذا الحلف الخرافي العنصري.
المشكلة أن هذا الدمل منذ انفجر في اليمن قبل عدة سنوات أنبت خراريج جانبية، قبلية وسنية وزيدية وبقايا حزبية وعسكرية، وكلها يجمعها التمصلح بالحرب وتجارة السلاح وتهريب المخدرات. حسب الوضع الحالي يصبح تعليل النفوس بأن سقوط النظام الإيراني في طهران ينهي مشاكل اليمن يشبه تعليل النفوس بكاذبات الأماني. حل مشاكل اليمن لن يكون إلا في اليمن بمساعدة جواره العربي وليس في طهران.
ما أن أوشكت معركة الحديدة الحاسمة على الانتهاء بانتصار الشرعية وبالتزامن مع الوصول إلى مشارف صعدة وحجة ومران، أي في الساعة الأخيرة المتوقعة للحرب طلبت بريطانيا والاتحاد الأوروبي وأمريكا وبالطبع تركيا وإيران إيقاف الحرب وجلوس الأطراف اليمنية في الأمم المتحدة للحوار حول حلول سلمية. التعليل هو احتمال موت نصف سكان اليمن بالجوع والأمراض. الوضع الإنساني في اليمن يدمي القلب، والجوع والأمراض تفتك بالبشر ولكن بالذات في الأماكن التي تسيطر عليها ميليشيات الحوثي، وهي ربما في حدود خمس المساحة اليمنية. المأساة الحقيقية والموت والجوع والمرض تتركز هناك حيث تسرق الإمدادات الغذائية والصحية والمالية ويحرم منها السكان الواقعون تحت سلطة الإدارة الحوثية في أجزاء من صنعاء والحديدة والمناطق الجبلية الشمالية من اليمن.
الإعلام العالمي حقيقة ملكية خاصة للقوى العظمى، أمريكا وأوروبا وروسيا ويرضع منه إعلام إيران وإسرائيل وتركيا وقطر، وهذه كلها تكتلات لا تريد للمنطقة العربية أن تهدأ ولا أن تتطور وتتخلص من التبعية المزمنة القاتلة تحت سيطرة القوى الدولية والإقليمية. هذه ليست نظرة نابعة من نظرية المؤامرة وإنما هي الواقع المطبق على الجغرافيا والسكان والثروات والأنظمة الحاكمة منذ القرن الثامن عشر.
على الإنسان فقط أن يفكر في المستفيدين من عودة الهدوء والشرعية إلى اليمن. الإجابة سهلة، إنه اليمن نفسه وجواره العربي والدول المتشاطئة على البحر الأحمر ومضائقه المائية. لكن من هم المتضررون من ذلك الذين يحاولون منع الحسم في اليمن ؟. القائمة طويلة تبدأ بتجار الحروب والسلاح والمخدرات داخل اليمن نفسه، وتمتد إلى إيران وتركيا لأسباب توسعية معلنة، وإلى الدول العظمى التي تبيع السلاح والذخائر لكل الأطراف المتقاتلة مقابل استمرار الاستحواذ على الثروات وإنهاك الدول النامية لأطول مدة ممكنة.
الخلاصة: إيقاف الحرب قبل الحسم النهائي في اليمن يعني إعطاء المشروع الحوثي فرصة لاستعادة قواه فيبقى الدمل الحوثي كامناً يجمع ما يكفي من القيح لينفجر في المنطقة من جديد.