عُرف عن الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - أنه مؤرخ ومرجع في تاريخ الدولة السعودية، ومتابع ومحقق لما يُنشر، وله مشاركات عديدة في ذلك، بل داعم فعّال للتاريخ والمؤرخين من خلال المؤسسات والجمعيات الثقافية التي يرأس مجالسها، كدارة الملك عبد العزيز, ومجلس الأمناء لمكتبة الملك فهد, ومجلس إدارة مركز تاريخ مكة المكرمة والمدينة المنورة, والرئاسة الفخرية للجمعية التاريخية السعودية.. وغيرها.
ومن هذه المشاركات المهمة عندما كان جلالته أميرًا على منطقة الرياض محاضرة «الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية» التي ألقاها بالجامعة الإسلامية في 24/ 4/ 1432هـ، وقد تسلم على هامشها شهادة الدكتوراه الفخرية في تاريخ الدولة السعودية. كما شهد اللقاء توقيع كرسي سموه لدراسات تاريخ المدينة المنورة. ومما جاء في هذه المحاضرة القيمة قوله:
«في هذه المدينة المباركة (طيبة الطيبة) بدأت نهضة الدولة الإسلامية الأولى على الكتاب والسنة النبوية. وفي هذه الأرض العربية منطلق العروبة والإسلام تأسست الدولة السعودية على المبادئ ذاتها متأسية بتلك الدولة الإسلامية الأولى وأسسها العظيمة التي تقوم على راية التوحيد، وتدعو إلى الدين الخالص من أي ابتداع أو ممارسات ليست في الكتاب أو السنة وأقوال السلف الصالح».
وقال: «عندما ظهرت الدولة السعودية في الدرعية أعادت للمنطقة الدولة المركزية القائمة على الدين، مثلها مثل الدولة الإسلامية الأولى، واستعادت للجزيرة العربية الأمن والاستقرار الذي فقدته قرونًا عدة.. مؤكدًا أن الدولة السعودية قامت على مبادئ الدولة الإسلامية الأولى. وعلى هذا تمت المبايعة التاريخية بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب على أساس المنهج الشرعي.. وأصبحت هذه البيعة ركنًا أساسًا من أركان الدولة السعودية إلى اليوم؛ إذ تلتزم بتأسيسها على الدين الصحيح.. ولم يؤسس (الإمام محمد بن سعود) الدولة على عصبيته أو قبيلته بل أسسها على الدين، والتزم هو وأبناؤه وأحفاده إلى يومنا هذا بهذا التأسيس وبهذا الامتداد الذي يماثل ما تأسست عليه الدولة الإسلامية الأولى».
مؤكدًا ومبينًا امتدادها للدولة السعودية الثالثة قائلاً: «إن هذه الدولة (المملكة العربية السعودية) التي هي امتداد للدولة السعودية الثانية والدولة السعودية الأولى، بل الدولة الإسلامية الأولى، قدرها واستمرارها إنما هو بالمحافظة على دينها الذي هو سبب عزتها ونصرتها، الذي التف حوله حواضر هذه البلاد وبواديها وحكامها منذ قيام الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية؛ ليمتد في عهد الملك عبد العزيز وأبنائه الملوك».
هذه المحاضرة القيمة التي أكد فيها الملك سلمان الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية، وأكد فيها أن البيعة التاريخية بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب أصبحت ركنًا أساسًا من أركان الدولة السعودية إلى اليوم. وهذه البيعة تعرف أيضًا بميثاق الدرعية الذي أسفر عنه اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وفيه تم الاتفاق والتحالف والمبايعة في بيت آل سويلم، حيث اتفقا وتبايعا على أن يعملا في سبيل الدعوة الإصلاحية التي أساسها تخليص الناس مما انتشر بينهم من وسائل الشرك وذرائعه من بدع وخرافات مما يؤثر على سلامة عقيدتهم، وذلك بدعوتهم إلى التوحيد الخالص، وتحكيم الشريعة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة، وإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وهذه المبايعة (ميثاق الدرعية) لا يكاد يخلو من ذكرها أي كتاب عن تاريخ الدولة السعودية الأولى، أو عن تاريخ الدعوة الإصلاحية, وفيها ذكر مؤلفوها تفاصيل هذا اللقاء المهم، وبيَّنوا أهمية هذا الميثاق، ونوهوا بنتائجه، ومنها - على سبيل الإشارة - الموجزة:
قيام الدولة السعودية الأولى وميلادها. وقد حدد المؤرخون تاريخ قيام الدولة السعودية الأولى على يد مؤسسها الإمام محمد بن سعود بتاريخ هذا اللقاء والميثاق الذي تم عام 1157هـ.
إن هذا الميثاق هو الأساس الذي رُفعت عليه قواعد الدولة السعودية.
إن هذا الميثاق حدد التوجه الديني والسياسي للمجتمع منذ ذلك الحين إلى وقتنا الحاضر.
أصبحت الدرعية مركزًا للدعوة والإصلاح، ومركزًا علميًّا مزدهرًا.
تكوين المجتمع الإسلامي الذي كان نواة المجتمع السعودي المعاصر.
بدء تاريخ نجد الحديث، بل تاريخ الجزيرة العربية.
وكان لكل هذا ما بعده من عز وتمكين، امتد من الدولة السعودية الأولى إلى الدولة الثانية فالثالثة ولله الحمد والمنة.
** **
سليمان بن عبدالله محمد السويلم - عضو مجلس منطقة الحدود الشمالية في دورتَيْه الأولى والثانية والمدير العام لشركة كهرباء عرعر سابقًا