«الجزيرة» - منيف الضوّي:
تعد المنطقة ذات أرض رعوية للبدو الرحل، وبعد توحيد البلاد على يد الملك عبدالعزيزبن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- واستتباب الأمن بدأت بوادر الاستقرار، أما العامل الرئيس لتطورها هو إنشاء خط أنابيب النفط (التابلاين) الذي يربط مناطق النفط على الخليج العربي شرق المملكة وانتهاء بميناء صيدا اللبناني عندالبحر المتوسط، مروراً بدولتي الأردن وسوريا، والذي بدأ العمل عام 1369هـ.
الموقع وأهميته
تقع منطقة الحدود الشمالية في الطرف الشمالي من المملكة العربية السعودية، وتعتبر مدينة عرعر مقر إمارة منطقة الحدود الشمالية، ويتبع لإمارة منطقة الحدود الشمالية ثلاث محافظات هي: محافظة رفحاء، ومحافظة طريف، ومحافظة العويقيلة وعدد من المراكز الإدارية والقرى الهجر، ويحدها من الشمال: دولتي العراق والأردن. ويحدها من الشرق: دولة العراق والمنطقة الشرقية. ويحدها من الجنوب: مناطق حائل والجوف والقصيم. ويحدها من الغرب: منطقة الجوف.
النفط وخط الأنابيب
بدأت القصة بأمر ملكي من الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وقع على أثره عبدالله السليمان وزير المالية الأسبق في 22-8-1366هـ الموافق 11-7 - 1947م، اتفاقية مع الشركات الحاصلة على امتياز النفط السعودي لإنشاء خط التابلاين.
فكان هذا المشروع يمثل تحدياً في عالم صناعة النفط، فهو الأكبر من نوعه في العالم، إذ امتد بين ساحل الخليج العربي إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، بطول يقارب 1700 كم، وليختصر مسافة بحرية تصل 10 ألف كيلومتر لو تم إيصاله عن طريق الناقلات إلى مراكز الاستهلاك، ليكون معبراً لنقل النفط من المملكة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
إنشاء محطات الضخ
ونظراً لطول المسافة التي يقطعها خط أنابيب التابلاين من شرق المملكة وحتى البحر المتوسط في الغرب والتي كان من الصعب أن يجري النفط خلاله بسرعة واحدة، الأمر الذي حتم على القائمين بأعمال الخط إنشاء محطات ضخ لتقوية جريان النفط عبر الأنابيب في الأراضي التي تقطعها، فشيدت شمال المملكة عدة محطات للضخ رئيسة وفرعية وهي من الشرق إلى الغرب (القيصومة، الشعبة، رفحاء، العويقيلة، عرعر «بدنه»، حزم الجلاميد، طريف)، وقد أسميت هذه المنطقة بمحافظة خط الأنابيب وذلك في 1-9-1369هـ الموافق 17-6-1950م، وعين محافظاً لها الأمير محمد بن أحمد السديري -رحمه الله-.
تأمين فرص عمل
وقد التزمت الشركة المتعهدة بإنشاء خط التابلاين بتوفير فرص عمل في محطاتها ومرافقها جندت لها عاملين من أبناء البادية في المنطقة بوظائف تتناسب مع إمكاناتهم كأعمال الحراسة والمراقبة، وذلك مقابل أجور جيدة تؤمن لهم دخلاً ثابتاً، كما قامت الشركة بتدريب الكثيرين منهم ليكونوا أكثر تأهيلاً للأعمال المنوطة بهم. وقامت بحفر آبار المياه وإنشاء المدارس والمراكز الصحية التي تقدم خدماتها المجانية فتم الاستقرار شيئاً فشيئاً.
وفي 16-3-1376هـ تم إلغاء محافظة خط الأنابيب وتسميتها بمنطقة الحدود الشمالية وتعيين صاحب السمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود -يرحمه الله- أميراً عليها.
وفي العام 1436هـ صدر الأمر الملكي الكريم بتعيين صاحب السمو الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود أميراً لمنطقة الحدود الشمالية بمرتبة وزير.
وفي العام 1438هـ صدر الأمر الملكي الكريم بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود أميرًا لمنطقة الحدود الشمالية بمرتبة وزير.
لمحة تاريخية
للمنطقة تاريخ عريق فتحوي أرضها أثار تعود إلى العصور الحجرية، ومنها أمثلتها ما وجد في مواقع بدينة وبدنة ومن المواقع التي تعود إلى عهود ما قبل الإسلام آبار لينة الواقعة جنوب رفحاء، كما أن المنطقة كانت موضع استقرار لبعض القبائل العربية القديمة مثل قبيلة كلب وقبيلة أسد وقبيلة بني يربوع وغيرهم، الذين بسطوا نفوذهم في المنطقة ردحاً من الزمن، وللمنطقة حضور تاريخي في العصر الإسلامي، حيث كانت أرضها طريقاً من طرق الفتوحات إلى العراق وبعض أطراف الشام، كما تحوي محطات لدرب الحج من الكوفة إلى مكة والمشهور تاريخياً بدرب زبيدة ومن أهمها برك الجميماء والثليماء وأبار وبرك زبالا ووبرك الشيحيات والحمراء وأم العصافير.
ومن المواقع التاريخية في المنطقة قصور الإمارة في قرى لينة ولوقة وأم رضمة، والتي بنيت في بداية إعلان قيام المملكة العربية السعودية على يد مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- فلا يزال قصر الإمارة في لينة شامخاً في وسطها والتي كان تأسيسها عام 1355هـ.
زيارات ملكية
زيارة الملك سعود
قام الملك سعود -رحمه الله- بزيارة كريمة للمنطقة عام 1375وذلك في إطار زياراته التي قام بها لمختلف مناطق المملكة بعد توليه مقاليد الحكم.
زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-.. عام 1428هـ حيث زار المنطقة والتقى بالمواطنين ودشن عدداً من المشروعات التنموية.
زيارة الملك سلمان حينما كان ولياً للعهد
في العام 1435هـ زار ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز مدينة رفحاء، لمعايدة منسوبي قوات الدفاع في منطقة الحدود الشمالية. وكان في مقدمة مستقبليه لدى وصوله المطار، الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد أمير منطقة الحدود الشمالية -رحمه الله- وأمير الفوج الثاني عشر برفحاء محمد بن عبدالله الفغم، ومحافظ رفحاء السابق بدر بن إبراهيم الهزاع، وقائد المنطقة الشمالية اللواء ركن فهد بن عبدالله المطير، ومدير شرطة منطقة الحدود الشمالية اللواء ضيف الله العتيبي، وقائد حرس الحدود بالمنطقة الشمالية اللواء فالح السبيعي، وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين.
عادات وتقاليد
إكرام الضيف
اقترن الكرم بالقهوة التي أول ما يتم تقديمها للضيف عند قدومه، ومن ثم يقام له مأدبة تليق بمكانته يدعى لها الأصدقاء والأقارب والجيران.
الجلسات الشعبية
وتكون في أوقات معلومة لدى أهل الحي في منزل احدهم، فهناك من يكون مجلسه مفتوح بعد الفجر أو الضحى أو بعد العصر... إلخ. تقدم بها القهوة والشاي وتقوى الروابط بين أهل الحي.
النزالة
النزالة تسمية محلية يقصد بها إقامة وليمة عند دخول المنزل الجديد.
فنون شعبية
العرضة السعودية
وهي من الفنون المعروفة في كافة مناطق المملكة، وتؤدى في المناسبات والاحتفالات، ولها قصائد معروفة، وتزينها الدفوف والسيوف والزي الشعبي الموروث.
الدحة
وهي فن معروف عند أهالي المنطقة، وطريقة أدائها تتمثل بأن يصطف الرجال إلى جوار بعضهم البعض بصف واحد، ويبدأ احدهم بقصيدة شعرية خاصة هلا هلا به يا هلا... لا يا حليفي يا ولد ثم تأخذ أصوات الرجال في الدحة بترديد: ارد حيه... ارد حيه بأصوات متداخلة.
الهجيني
وهو قصيد الهجانة الذين يمتطون الجمال أو رعاتها.
الربابة
آلة موسيقية قديمة لها هواتها ولها قوس يجر على وتر الربابة فتصدر صوت يتغنى به ممارسها عبر ترديد أبيات شعرية تحث على الكرم والحكمة والتفاخر بالعادات العربية الأصيلة.
الأمير فيصل بن خالد.. الحدود الشمالية والمستقبل المشرق منذ أن تولى إمارة منطقة الحدود الشمالية في 25-7-1438هـ، وصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود في سباق مع الزمن لإحداث نقلات تطويرية لمنطقة الحدود الشمالية، والحق يقال إن سموه الكريم أظهر وجهاً جديداً للمنطقة، هذا الوجه المشرق الذي بني على جهود من سبقوه من أمراء المنطقة والتي كانت إلى وقت قريب من عمر الزمن منطقة رعوية صحراوية ذات ملامح جافة، ثم توالت عليها أيدي النماء وحولتها إلى واحة غناء، تضاهي كبريات المناطق في البلاد، ولكن العقد يستحسن في عنق الحسناء فكانت أحوج للجمال والسعي نحو الكمال. ومن هنا كانت جهود سموه الكريم التطويرية جهوداً مقدرة ومثمرة، وهو المتسلح بالخبرات الإدارية والعلمية والعملية المتنوعة نتيجة تأهيله الأكاديمي بحصوله على شهادة الماجستير مع مرتبة الشرف في العلوم الدولية من جامعة ماساتشوستس في مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، ونتيجة خبرته الإدارية والسياسية بالعمل مستشاراً في ديوان ولي العهد في العام 2006م، ثم مستشاراً في الديوان الملكي في العام 2016م بقرار من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، وفي العام 2017م صدر قرار خادم الحرمين الملك سلمان بتعيينه أميراً لمنطقة الحدود الشمالية.
وسموه الكريم من الأمراء الشباب الذي أوكلت إليهم مهام جسيمة ضمن النقلات الإدارية والسياسية التي تشهدها بلادنا في ظل تحولات غير مسبوقة في العهد السعودي تبشر بمستقل واعد على كافة الأصعدة في ظل قيادات شابة تضطلع بأدوار متنوعة لقيادة البلاد والسير بها نحو التقدم المنشود بحكمة وروية وتخطيط إستراتيجي يتوافق مع المتغيرات السياسية والاقتصادية في العالم من حولنا.
وسمو الأمير فيصل من المؤهلين لهذه الأدوار الهامة، حيث نشأ في كنف أسرة عريقة فوالده هو صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود نائب وزير الدفاع السعودي وهو قائد القوات العربية في عملية عاصفة الصحراء لتحرير الكويت 1991م، وفي العام 2009م قاد حملة عسكرية ضد الحوثيين انتهت بانسحابهم، وله تاريخ حافل في العمل العسكري والإعلامي والرياضي، كانت هذه الخبرات دروساً مجانية على الدوام استلهم منها نجله الأمير فيصل معاني الالتزام والحكمة والتنوع الثقافي والاهتمام بقضايا الشباب ورسم خطط التطور في منطقة حدودية مترامية الأطراف.. أما جده فهو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، أمير الإنسانية، أمضى حوالي نصف قرن وزيراً للدفاع والطيران، حتى تم تعيينه ولياً للعهد حوالي 6 سنوات إلى أن توفي -رحمه الله-، وهو غني عن التعريف وله إسهامات سياسية وإدارية وعسكرية وإنسانية متنوعة وثرية جداً يصعب حصرها، وكل هذا التاريخ الحافل لاشك أنه يلقي بظلاله على شخصية محور حديثنا أمير منطقة الحدود الشمالية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز آل سعود، والذي انطلق بحماسة الشباب وحكمة الكبار لصناعة وجه جديد لهذه المنطقة، وكانت لقاءات سموه الكريم لا تتوقف مع كافة أطياف المجتمع في المنطقة بغية فتح قنوات للتواصل مع الخبراء والمعنيين في كل تخصص ومجال والالتقاء بالمواطنين والاستماع إلى مطالبهم واحتياجاتهم، وكانت أبواب سموه مفتوحة متخذاً سياسة الباب المفتوح وهي السياسة التي تميزت بها المملكة على مر العصور، وكان سموه يقوم بجولات تفتيشية وزيارات متنوعة هنا وهناك للوقوف على الخدمات المقدمة للمواطنين، زار خلالها العديد من المرافق في محافظات المنطقة والقرى والمراكز والهجر والتقى المواطنين واستمع لآرائهم ومطالبهم، وفي كل زياراته -حفظه الله- كانت البساطة هي عنوانه والتواضع هو شعاره والمحبة والتقدير هي الأثر الذي يتركه في المكان الذي يزوره تماماً كرائحة العود الفاخر التي تبقى في المكان ولا تغادر الزمان.
ولقد تلقيت عدة دعوات لحضور الجلسات التي يعقدها سموه مع كافة أطياف المجتمع، وكنت ألمس ردود الأفعال الإيجابية والمتفائلة ممن حضروا مجلسه، حيث الحوار الهادف والبناء، والسياسة الواضحة لرسم مستقبل مشرق للمنطقة على كافة الأصعدة، والمتتبع للمنطقة يشهد ويلاحظ بوجود تغيرات كبيرة ونقلات متنوعة تتمثل في وجود منجزات حضارية كثيرة ليس المجال لتعدادها وحصرها، ويكفي المنطقة فخراً تميز ونجاح جناحها في مهرجان الجنادرية الأخير حيث الترتيب المختلف والتطور الملحوظ الذي يعكس حضارة وتراث هذه المنطقة برؤية عصرية شابة تجاوزت التقليدية في الطرح وحظيت بإعجاب الزائرين للمهرجان الذين توافدوا على جناح المنطقة، حيث حظي بنصيب مشرف من التغطيات الإعلامية للعديد من القنوات الفضائية كدلالة على وجود ما يستحق التغطية.
نحن أبناء المنطقة فخورون بهذا الأمير الشاب، ولا نقول ذلك رياءً، بل نذكر ما شاهدنا وما سمعنا، وسترون مستقبلاً جديداً للمنطقة بجهود هذا الإداري المحنك وبالتفات أبناء المنطقة حول قيادتهم، وإن غداً لناظره قريب.