عبدالوهاب الفايز
من الخطوات الإيجابية التي سعت لها وزارة التعليم، وكانت محل مطالبه منذ سنوات بعيدة، هو ضرورة الاتجاه إلى إدخال المواد والأنشطة التي تنمي المهارات اليدوية وتنمي الاتجاهات الإيجابية للأعمال الفنية والمهنية لدى طلاب التعليم العام. والخطوة الإيجابية بدأت الأحد قبل الماضي حيث دشن وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى إطلاق الورش الفنية والمهنية لمبادرة (ماهر) في ثانوية الأمير فيصل بن فهد، يرحمه الله.
هذه الخطوة من ضمن مبادرات الوزارة لتحقيق (رؤية المملكة 2030) مخصصة تطوير المهارات المهنية لطلاب وطالبات المرحلة الثانوية لتعزيز اتجاهاتهم الإيجابية نحو المهن، ونشر ثقافة العمل المهني وتحسين الصورة النمطية للأنشطة والأعمال والمشروعات المهنية وتهيئة الفرص اللازمة لدعم الابتكار وتمكينه.
وزير التعليم أشار إلى أن المبادرة سوف تتوسع لاحقا لتشمل طلاب المرحلة المتوسطة، والتوسع لهذه المرحلة مهم وضروري، وهو المدخل لتوسيع قاعدة الإقبال على العمل الفني والمهني بعد المرحلة المتوسطة، وهذا هو المسار الذي يقلل زحف الطلاب إلى الجامعات، والمملكة تأتي في قائمة الدول التي تشهد اتجاه 90 بالمئة من طلاب الثانوية إلى الجامعات، وهذه نسبة عالية جدا.
تحسين نمط التعليم الذي أشار له وزير التعليم في المرحلتين الثانوية والمتوسطة نرجو أيضا أن يتوسع إلى المرحلة الابتدائية، ولعل هذا يكون في أولويات (مشروع تنمية القدرات البشرية)، لأن تعزيز الاتجاهات الإيجابية للعمل اليدوي وبناء المهارات يتأسس في هذه المرحلة. والأمر المهم الآخر الذي أشار إليه وزير التعليم هو تطبيق مبادرة (ماهر) في جميع المدارس الثانوية في المملكة للبنين والبنات، ولعل وزارة التعليم تتكامل مع (وزارة العمل والتنمية الاجتماعية) في هذه المبادرة لبناء (الثقافة المهنية) وتعزيز القيم والاتجاهات الإيجابية نحو العمل المهني.
والأمر المشجع في المرحلة الأولى من المبادرة، طبقا للمسؤولين في الوزاره، هو إقبال طلاب وطالبات المدارس المستهدفة بصورة فاقت التوقعات إذ تجاوز عدد المسجلين فيها ضعف العدد التقديري المتوقع للعام الحالي، وهذا مؤشر إيجابي على تفاعل الطلاب مع المفهوم الجديد للورش الفنية والتقنية.
طبيعي إقبال الطلاب وتفاعلهم، وهذا يعود إلى أهمية إدخال (التعلم بالمهارات)، وهو توجه التعليم في الحقبة القادمة، وهذا مهم لنا إذ التوجه هو عدم الاعتماد على النفط؛ فمن الضروري تهيئة الأجيال القادمة إلى حقبة (إنتاج الثروة)، والتعليم هو المدخل الأساسي لهذا التحول، والمجتمع الشاب يُشكل فرصة للحكومات، وهذا ما فعلته اليابان في النصف الثاني من القرن العشرين عندما استخدمت التعليم لبناء الجيل الذي قاد النهضة الصناعية. واليابان حتى تتحول من اقتصاد يعتمد على الزراعة إلى اقتصاد صناعي تطلب منها، ومنذ مطلع القرن العشرين، (بناء ثقافة العمل المهني اليدوي)، ووزير التعليم حينئذٍ هو الذي قاد هذا التحول، وقد ترجموا أحد الكتب الإنجليزية عن التعليم التقني لكي يحفزوا المعلمين لإدراك أهمية دورهم، وفِي فترات لاحقة، كان التعليم مفتاح التحول للاقتصاد الصناعي في الكثير من الدول، في أوروبا وآسيا، وسنغافورة تقدم الحالة الدراسية الأهم لكفاءة استخدام التعليم كمحرك أساسي للتنمية المستدامة.
لإنجاح هذه التجربة في مدارسنا، من الضروري الاهتمام بالمعلم والمعلمة عبر تحفيزهم وتأهيلهم، وأيضا الاهتمام بتهيئة البيئة المدرسية ودعم إمكانات المدارس، وهذا يتطلب تخصيص نفقات مالية جديدة للتعليم، فهناك حاجة (لتطوير البيئة الفيزيائية لمعامل الورش الفنية الرقمية لتكون ملائمة للغرض منها وملهمة للابتكار والتصنيع الرقمي)، وبحاجة لتوفير جميع الأجهزة والأثاث والمواد الخام والمحتويات التدريبية والمصادر المتنوعة اللازمة لتمكين الطلاب من المهارات الأساسية المستهدفة في ورش (الابتكار والتصنيع الرقمي)، مع الحاجة إلى الموارد التربوية الداعمة للمعلمين والمعلمات الذين تم اختيارهم وتكليفهم بالإشراف على تعلم الطلاب والطالبات بعد تهيئتهم لمهامهم الفنية والتربوية.
والإنفاق على التعليم والصحة هو استثمار حقيقي، وفِي ظل التحول المطلوب لمجتمعنا، وأيضا مع تحول طرق العمل والإنتاج في الاقتصاد الجديد.. علينا عدم التحفظ على الإنفاق على التعليم والصحة، فالقيمة المُضافة في الاقتصاد عالية جدا.