فوزية الجار الله
(هذا البحر لي
هذا الهواء الرطب لي/ هذا الرصيف وما عليه من خطاي.. لي/ ومحطة الباص القديمة لي)..
على صدى إيقاع هذه الكلمات تستشعر الكثير من المعاني العميقة، بغض النظر عما قصده الشاعر من تلويحات أخرى في تلك اللحظة، إلا أنها توحي إلي بأمر مختلف أكثر جمالاً، تلك الكلمات لا تتضمن ابتهاجاً بالتملك بحد ذاته بقدر ما تكون احتفاء بالحرية والحياة والقدرة على العطاء، متمثلاً بالإنتاج والعمل.. هذا الفيض من البهجة والفرح لا توقفه أشواك الطريق ولا كُربات الأحداث الجارية على المستوى الفردي أو الجماعي ولا حتى هرولة السنين خلفك، رغماً عن كل السلبيات والمحبطات سيكون ثمة ضوء يلوح في عينيك كلما استيقظت صباحاً بمنتهى التواهج والتألق والرغبة في متابعة المسير..
يحوي تراثنا الأدبي عامة والشعبي على وجه الخصوص أسوأ ما يمكن أن يقال حول تقدم الإنسان في العمر، سواء كان امرأة أو رجلاً، وقد حظيت المرأة بنصيب الأسد في ذلك، يبدو هذا واضحاً بشكل فاحش دميم، حيث يتم نعت هذا الإنسان المتقدم في السن بشتى الصفات السمجة والنظر إليه بكثير من الازدراء وعدم التقدير وكأنما كان هو السبب في تقدم عمره، على سبيل المثال، في الحكايات الشعبية تظهر المرأة «العجوز» ربما بسبب معاناتها من الفراغ وعدم الأهمية وانصراف الناس عنها، تصبح في الحكايات الشعبية هي الكائن المتخصص بأعمال الشر وكيد المكائد، أما الرجل «الشيخ» أو العجوز فلا يبدو أفضل حالاً..
يلفت انتباهك في هذه الحكايات التراثية تلك الصفات التي تطلق على كبار السن التي امتدت حتى الزمن الحاضر في بعض الأوساط غير المتحضرة، فعلى سبيل المثال: تسمع مثلاً من يقول: «عجوز ابليس» أو «شايب الجنّ» أو «ختيار الجن» كما يسمونه في بعض البلدان العربية، هذا الأمر يبدو بالغاً في السوء فإضافة إلى ما فيه من سوء الخلق وانعدام الأدب إلا أنه يشير إلى الانحطاط الثقافي والاجتماعي، إذ إن مرحلة الشيخوخة مرحلة حتمية وجزء لا يتجزأ من مراحل العمر التي لا بد أن يمر بها الإنسان وهي سنة كونية مرّ بها وما زال يمر كافة البشر بدءاً من سيدنا آدم عليه السلام إلى آخر فرد من أبناء البشر وينطبق ذلك على كافة الكائنات الحية الأخرى، إلا أنني أتحدث الآن عن أبناء البشر..
لإيزابيل الليندي الكاتبة الأمريكية محاضرة رائعة ألقتها عام 2014م بعنوان «كيف تعيش بشغف؟»
بدأتها بقولها بأنها تبلغ من العمر واحدًا وسبعين عاماً وزوجها في السادسة والسبعين ووالديها في أواخر التسعينات من العمر.. تتابع قائلة:
دعوني أخبركم عن شعوري حين أرى تجاعيدي على المرآة وأدرك بأن بعضاً مني قد سقط ولا يمكنني استعادته.. تقول ماري أوليفر في إحدى قصائدها:
(أخبرني ما الذي ستفعله في حياة واحدة جامحة؟!)
بالنسبة لي أنوي العيش بشغف.. هذا ما ذكرته إيزابيل الليندي، وللحديث بقية.