أ.د.عثمان بن صالح العامر
الهجرة حدث غيَّر وجهَ التاريخ، وكشف عمق الاعتقاد في نفوس أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وبيَّن عظم حبهم وتصديقهم وطاعتهم لنبيهم وقائدهم وولي أمرهم إبان تلك الفترة المبكرة من تاريخ هذا الدين، ولذا أرخ به السلف، وجعلوه الحدث الأبرز في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. ولعل من بين الدروس التي تُستقى في هذا اليوم أن الإنسان مهما كان فضلًا عن أن يكون خير من وطئ الثرى على الإطلاق لا يهم متى كان يوم مولده وخروجه إلى عالم الدنيا بل الأهم هو اليوم الذي غير به وجه الحياة. والهجرة حين التأمل فيها والتفكير بأبعادها وقراءة آثارها هي كذلك، علاوة على كونها حدثًا جماعيًا هز المجتمعين المكي والمدني في وقت واحد.
إننا في مرحلة تاريخية دقيقة نحتاج من المفكرين والمنظرين استخلاص الدروس والعبر ونشر ما يتوافق ومعطيات واقعنا المعاصر بين الناس، فأنت مهما كنت نسبًا وحسبًا، مكانة ومنزلة، تبقى مجرد رقم في عدد سكان هذه الأرض، وما أن تحقق إنجازًا إيجابيًا ينعكس بصورة مباشرة على دينك ووطنك وأمتك والإنسانية جمعاء حتى تفتح صفحة لك في التاريخ.
تأمل في سير العظماء عبر مسيرة الإنسان منذ عهد آدم وحتى الآن، قد يتوافق يوم ميلادهم مع ملايين على هذه الأرض، ولكن اختلفوا عن غيرهم بيوم إبداعهم، ابتكارهم، اختراعهم، فصار لهم في حياة الإنسانية بصمة ليس لأنهم ولدوا بشرًا يبزون ويفضلون غيرهم حسبًا ونسبًا، ثراءً ومالاً، منزلة وجاهًا ولكن لأنهم صنعوا ما أسهم في تسهيل الحياة على بني آدم، وتيسر البقاء في هذه الدنيا لكل البشر.
نحن اليوم مرشحون بقوة لنضع لنا بصمة في مسيرة الإنسانية كما كان حالنا حين كانت الحضارة الإسلامية، فالمملكة العربية السعودية هي محط أنظار الجميع، كيف لا وهي من تحتضن الدارين مكة والمدينة، وترعى الحرمين الشريفين، وتحرس العقيدة التي من أجلها كانت الهجرة، وفي هذا البلد المعطاء المبارك الكثير من أصحاب العقول المتقدة، والنفوس التواقة للمجد، والعزائم الراغبة في الوصول للعالمية، يدعمها ويشجعها ويحفزها بل يمهد لها الطريق ويرسم لها خارطة الوصول قيادة حكيمة عازمة على أن يكون لأبناء هذا الوطن بصمة قوية في مسار الإنسانية المعاصر. وما رؤية 2030 ، ومشروع التحول الوطني ، والمبادرات النوعية، والأعمال الاحترافية، والمؤتمرات والندوات الدولية ، والتواصل والاتصال بالثقافات العالمية و... إلا جداول تصب في نهر العطاء الطامح لتحقيق ما فيه خير الإنسانية القادم -بإذن الله، وجزمًا سيسطر التاريخ عن قريب أسماء شباب منا كان لهم بصمة إيجابية في المسيرة الإنسانية الطويلة. دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.