تلقّيت عبر وسائل تواصل عائلة المشيقح في غرّة شهر ربيع الأوّل من عام: أربعين وأربعمائة وألف من الهجرة نعي الفاضلة مزنة بنت سليمان المشيقح، حرم سعادة الوجيه الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله المشيقح، وأدّيت صلاة الجنازة على روحها الطّاهرة بعد صلاة الجمعة في جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، وووري جثمانها الطّاهر بمقابر الموطأ بمدينة بريدة، وحضر مراسم الدفن، والعزاء أفراد، وجماعات من داخل منطقة القصيم، وخارجها؛ لتقديم العزاء لزوجها، وأبنائها، وإخوانها الذين غشيت وجوههم علامات الحزن على فقيدتهم التي رحلت إلى آخرتها الباقية، وأبقت ذكراً طيِّباً عند الذين عرفوها من النساء؛ إنّها امرأة فاضلة، وزوجة صالحة أحسنت إلى زوجها، وأحسن إليها، وعاشرها بالمعروف؛ لأنّها تحمل في قلبها الإلفة التي ألفتها بمختلف مراحل حياتها؛ لأنها على علمٍ أن الاختلاف سبب المتاعب بين الزوجين، فعاشت موافقةً لحياته التي عاشتها معه تعينه على بر والديه، وصلة رحمه، وتربية أولاده... ذات صلاة، وصيام، وعمرة، وهذه من النوافل التي حرصت على أدائها، وعلى حفظ القرآن الكريم، وقراءة الأحاديث، والاطلاع على السير، إنّها جمعت صفات المرأة الصالحة، فأحسن إِليها، وأكرمها فأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائكم.
والابنة البّارة بوالديها في حياتهم، وبعد وفاتهم، وهذه من أبرز صور الرحمة التي بذلتها لهما؛ لأنها تدعو لهما، وتبرّ صديقهما، وتصل رحمها، وهذه أعظم صلة لهما، وحرصها على دفع الصدقة لمن يحتاجها من الفقراء، والمساكين، والأرامل ثواباً لهما، وهذا عطاء فطرها الله عليه، ويعدّ من أعظم صلات الرحم التي اختزنها قلبها.
كما أنها دائماً رافعةً أكفّ الدعاء أن يوفّقها لتقديم جلّ برّها لوالديها، والإحسان إليهما، والرحمة بهما، وخدمتهما في قدرتهما وعجزهما؛ لأن خلقها الرّحمة الذي فرض عليها الإحسان إليهما؛ لرد سوابق فضلهما.
عرِفت بصلة رحمها، وهذه أفضل صلة لوالديها؛ لأن الله نهى عن قطيعة الرحم، وشدّد عقوبة قاطعها، والأولى بالصلة الأقربون بزيارتهم، وإِكرامهم، وإِهدائهم، والتصدّق على فقيرهم، وعيادة مريضهم، ومشاركتهم في مسرّاتهم، ومواساتهم في أحزانهم، فإن صلة الرحم عندها وعند غيرها من موجبات دخول الجنّة، وعلى إِكرام اليتيم، وهذا من خلق الرحمة عند المسلمين؛ لأن اليتيم فاقد أبويه، يكون أحوج إلى الرحمة بمسحها رأسه بيدها الحانية، وإِهدائها أفضل الهدايا التي تناسب عمره، وتوافق ميوله، وتختار له أجود الطعام، وتلقّيه أعذب الكلام، فوجد فيها نعم الأم الحانية التي تتفقده في مختلف المناسبات، وأنّها محبة لجيرانها، وهذه من مظاهر التراحم بين المسلمين التي لا تقل رحمة من حقوق الأرحام، وهي حق المواصلة بالزيارة، والتهادي، والعيادة لمريضهم، فأبواب قصر زوجها مشرعة؛ لأجل استضافة نسائهم، وأطفالهم، ومشاركتهم في السرّاء والضرّاء، وعيادة مرضاهم في المشافي، والتوصية لأجل التخفيف من معاناة مرضهم، والتشافي لهم بالدعاء، وإطعام الطعام صلة، وما زاد على حاجتها وحاجة جيرانها صدقة تتخطّاهم، وتبحث عن الفقراء ابتغاء مرضاة الله، وهذا من التضامن في فضل إطعام الطعام والإيثار على النفس والأهل.
وعرِفت في مجلسها التي أعدّته لنساء جيرانها، وأقاربها، وصديقاتها أنّها لم تذكر سوء عن امرأة، بل تستر عيوبها، وعيوب بدنها، وملبسها، وزينتها، وتواريها عن الحاضرات من النساء خوفاً من الله؛ لأنه منكر من المنكرات التي نهى عنها ديننا الإسلامي، وإنما تذكر في مجلسها وغيره من المجالس النسائيّة محاسن النساء، وأخلاقهنّ الفاضلة؛ لأنها تعلم أن ذكر سيئات النساء، وسوء أخلاقهنّ من القبائح، وشريكةً في الإثم، وتعدها من فساد الأخلاق التي تجافي تربيتها التي تحثّ على نشر الفضائل، ومحاربة القبائح الحاصلة من بعض النساء، ولا ترضاها فهي صاحبة خلقٌ كريم، وتحثّ عليه، وتطبّقه، وتمنع سيئه، ولا ترضى أن تسخر امرأة من امرأة أخرى؛ لأن هذا ينافي خلقها التي تربّت عليه، لا تسخر بكلام، ومظهر، ولباس، ولا تلمز بظاهر القول، وخفي الحركة، وهذا نوعٌ من التجريح المذموم الذي حذّر عنه ديننا الإسلامي؛ لأنه يورث البغضاء، وقطع أواصر المحبة، ولم تسمح لنميمة لكي تفسد بين النساء، والإيقاع بينهنّ، وشحن قلوبهنّ بالكراهية؛ لأن النميمة عندها وعند غيرها من المسلمات من أخبث وسائل التفرقة الشيطانيّة، فكم جرّت النميمة من حقد بين امرأتين؟! وكم فرّقت بين زوجين؟! وكم أفسدت بين جارتين؟!
عرِفت أنّها ذات خلقٌ حميد لا تحمل في قلبها إلاّ إشراقة حب لخير الناس، والسعي إليه، وهذا من سبل السعادة الذي نهجته لا تختزنها لنفسها، بل منحتها لوالديها، وزوجها، وأبنائها!
وإنّها امرأة سمحة النفس، ليّنة الجانب، ليست صاحبة نفس متشائمة، إنّها لا ترى بعينها إلاّ الجمال، ولا تقطف بيديها من الشوك إلاّ الورد، ولا في طلوعها علوّ الجبال إلاّ السهل!
توفّيت- رحمها الله- وهي صابرة على ابتلاء مصيبة المرض الذي أصابها ولم يمهلها طويلاً، ولم تقنط من رحمة الله عندما علمت بمرضها، بل ضاعفت الصبر، وتحمّلت متاعب علاجه، ومشتقات آلامه، لم تضجر، ولم تجزع، ولم تسأم، وهذا من أقوى صفات خلقها الحميد، صبرت بطمأنينة القلب، وثبات النفس، راجيةً ثمرة صبرها من الله الذي أعدّها للصّابرين، راضيةً بقضائه وقدره، وهذا امتحان لإيمانها، واختبارٌ لتسليمها، مستبشرةً أن عليها صلاة من ربّها، ورحمةً، وتكفيرٌ لخطاياها، ومنحها الأجر العظيم، وهذا من فضله على المؤمنين الصّابرين على المصائب التي أصابتهم.
هذا وتعازينا لزوجها سعادة الوجيه الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله المشيقح، وأبنائها، وبناتها، وإخوانها، وأخواتها، وعائلتها: عائلة المشيقح داخل منطقة القصيم، وخارجها.
وتلقّى زوجها الكريم برقيتي عزاء، ومواساة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، واتصالاً هاتفياً من صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم، ومن أصحاب السمو الملكي الأمراء، وصاحبات السمو الملكي الأميرات، ومعالي الوزراء، وسعادة المحافظين، وكبار المسؤولين، وغيرهم من المواطنين من داخل المنطقة، وخارجها.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- أحمد المنصور