يوم الوطن الكبير في حياة شعبنا وقفة عز وافتخار، وسجل زاخر بالعطاء والإنجاز الوطني، نستذكر فيه نضال وتضحيات أجيال متعاقبة من قادة الوطن ورجاله ممن نهضوا ببناء الدولة منذ ولادة الكيان الوطني في مطلع القرن الماضي إلى ما بعد إعلان توحيد المملكة؛ إذ بدأت مرحلة النضال الحقيقي لاستكمال البناء الوطني، وتوفير أسباب التقدم، وإعلاء شأنه، وردم هوة التخلف.
فهو سجل لتضحيات السعوديين، مدروس المسيرة وثمرات الإنجاز ومحطات الأمل وتقلبات الأحوال وتعاظم المصاعب والتحديات، ودور القيادة والإرادة الوطنية في شق الطريق وتجاوز الصعاب، واجتراح المعجزات لتحقيق أهداف الوطن، ووضعه على طريق الأمان والمستقبل الواعد بالخير والتقدم.
ومن معاني توحيد الوطن أن تلتقي دولتنا وشعبنا وقيادتنا على معاني وإرث أمة العرب حاضنة الإسلام، وعلى قيم الإسلام والإيمان، فصفائنا الروحي والثقافي والأخلاقي.
ومن ترابط هذه المعاني تجسد معناها في قيادتنا السعودية العتيدة، وطموحات شعبنا، والتزامنا بقضايا الأمة، وتواصلنا مع نضالها الطويل من أجل التوحد والتحرر والتقدم.. فقد نسجنا مفردات رسالتنا العربية ووجهنا الإنساني مطالبة بالتضامن والحرية للأجيال العربية القادمة.
ومن هذه العزمات وُلد كياننا السعودي ثمرة من ثمرات الحلم العربي الكبير، وتشكلت هويتنا الوطنية العربية جزءًا من أمة لا تنفصم عنها، وثغرًا متقدمًا من ثغورها، نشأ على حافة أعتى الصراعات التي تعرَّض لها المشرق العربي، فكان على قادة وطننا (المملكة العربية السعودية) أن يبنوا هذا الكيان الكبير في أصعب الظروف وأدقها، وفي ظروف هيمنة دولية طاعنة على المنطقة، وشح الموارد والإمكانات، ومخاطر وتحديات داخلية وخارجية لا حدود لها؛ ليعلو بناء هذا الحِمى، ويشتد عوده ودوره وسط مخاطر الإقليم وعواصف الأزمات والحروب، لا يعنيه إلا صلابة إرادة قيادته، وصلابة عود أبنائه، وتضحياتهم وإيمانهم ببلدهم وأمتهم ودينهم وقيادتهم.
لقد بُني وطننا الموحَّد من صخر المصاعب والتحديات وصلابة الإيمان، وشكلت القيادة السعودية فيه قوة الدفع للتحرر، والذهنية المتفتحة التي أدارت دفة الحكم وسط أمواج عالية من الصراعات والتحديات، فأدخلت المملكة العربية السعودية إلى شاطئ السلامة والإيمان رغم ما يحيط بها من تحديات.
ومع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - واجهت المملكة العربية السعودية تحدي إنشاء الدولة ومؤسساتها، وتحدي الهجمة الصهيونية على فلسطين والمنطقة، كما واجهت تحدي البناء الداخلي، وتحدي الصراعات التي أحاطت بالعرب، والاضطراب العام الذي ساد علاقاتهم فيما بينهم، والصراعات والحروب التي نشأت عن الهجمة الصهيونية في المنطقة العربية، وتحدي السلام الذي لم يكتمل بمعناه الشامل بعد في المنطقة.
وجاء حديث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - ليمثل صورة الوطن كما يراها ويريدها ويتمناها مفعمة بالتفاؤل، زاخرة بما يعتز به أبناء الوطن من إنجازات تراكمت عبر السنين والأجيال، وتجسدت على الأرض صروحًا زاخرة بالعطاء، حققت لبلادنا على مَرّ السنين نقلة نوعية، جعلت مملكتنا السعودية الغالية متميزة في مؤسساتها التعليمية والجامعية، متميزة في صروحها وخدماتها الطبية التي تتسع تدريجيًّا لضمان شمول أكبر قدر من السكان، وهي مميزة في الخدمات العامة التي تعم جميع أرجاء الوطن، وتضعه في مصاف الدول الأكثر تقدمًا في المنطقة في هذه المجالات.
وتحت ظل قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - متعه الله بالصحة والعافية - نستشرف المستقبل بإرادة سياسية ووطنية، يتجمع فيها إرث القيادة والوطن، ونخوة أبناء الوطن وطاقاتهم الخلاقة وإرادتهم الصلبة لمواجهة تحديات البناء الداخلي وصولاً إلى النماء والازدهار الاقتصادي الشامل، ومواجهة تحدي السلام، وإنقاذ المنطقة من الصراعات والحروب، واستيعاب روح العصر وأدواته لإحداث قفزة جديدة من الأحلام السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تلبي طموحات شعبنا في الحياة الحرة الكريمة.
وقد تميَّز عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - بديناميكية وهمة عالية، استهدفت تحريك الفعاليات الوطنية كافة، وتطوير طاقاتنا البشرية، وبخاصة الشباب، وتسريع وتيرة الإنجاز، وتذليل المصاعب التي ترتبت على المراحل السابقة، أو تلك التي نشأت نتيجة ظروف خارجية، أو نتيجة ظروف الإقليم الخليجي والعربي والإسلامي. فالإرادة السياسية بالتغيير نحو الأفضل، وتعظيم الإنجاز، وتعظيم قدرات اقتصادنا؛ ليكون رافعة للوطن، ومولد فرص العمل، ومحرك النهضة الوطنية، ما زالت تدفع المسيرة لتعظيم قدرة الوطن والبلاد من خلال الاعتماد على الذات.. وكان ذلك هدفًا للقيادة، يؤكد معنى الإرادة الوطنية الحرة، والنهوض الوطني؛ ولهذا سعى - حفظه الله ورعاه - إلى خلق البيئة المناسبة لتعزيز الفرص السياحية والاقتصادية تحت مسار الرؤية السعودية 2030.
في ذكرى اليوم الوطني الثامن والثمانين نقف اليوم من وراء قائدنا على ذروة مشرفة من ذروات مسيرتنا الوطنية مع قائدنا، نستذكر عزمات السابقين الأشداء من قادتنا، والمخلصين الأوفياء من البناة الأوائل عسكريين، ومدنيين، ورجال علم وإدارة، ومواطنين من جميع مناحي الحياة، ممن تضافرت جهودهم في إرساء قواعد هذا الحِمى السعودي، وترسيخ مسيرته، وإعلاء بنيانه، ودرء الأخطار عنه، وحمايته، وإطلاق آماله وطموحاته في فضاءات جديدة، نراها اليوم تتشكل وتتجسد وتنطلق من طموحات ملكنا «سلمان» وعهده الميمون، تدفع باتجاه قفزة نوعية في تقدم البلاد ونمائها، وتأهيل أفضل لأبنائنا وشبابنا لاستخدام معارف العصر وأدوات التقدم في هذا العصر سريع الإيقاع.
ومع قيادتنا السعودية التي حفظت هذا الوطن الكبير، وقادته إلى بر الأمان، نحتفل بيومنا الوطني الثامن والثمانين مدركين أن ما تحقق لبلادنا الغالية من وعود وثمار هذا اليوم المبارك رغم جميع الصعوبات كان ثمرة توحد الشعب وتلاحمه مع القيادة، وتكامل دوره مع آمال وتطلعات أمته في النهوض والحرية والتقدم.
وقد حرص الحازم العازم الآمل (سلمان) على أن يبرز وجه المملكة العربية السعودية الواثق، ودورها العربي، وحرصها على توازن علاقاتها مع أشقائها العرب بما يحقق الإجماع العربي. كما أن انفتاح المملكة على الساحة الدولية سُخِّر لخدمة القضايا العربية في الساحات الدولية. وقد أكد - حفظه الله ورعاه - موقف المملكة العربية السعودية القومي الثابت في نصرة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة حتى يصل إلى تسوية عادلة، تقيم دولته الفلسطينية المستقلة على أرضه وفق الشرعية الدولية والإجماع الفلسطيني والعربي.. فنصرة فلسطين أو القضايا العربية ونهضة العرب إرث سعودي قومي.
يوم الوطن يوم أغر، تلتقي فيه سواعد أبناء الوطن وقلوبهم، وآمالنا الوطنية، وتلتف من حوله الراية السعودية والقيادة السعودية التي قادت خطانا إلى التوحد والتضامن والبناء الداخلي وحفظ شعبنا من المخاطر.. وما زالت تدفع بثقة وعزم بخطى الوطن إلى المستقبل الواعد بالخير والسلام والازدهار.
في يوم الوطن أزجي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله لشعبه وأمته العربية - رسالة اعتزاز وطني والتزام قومي، تجسد الثقة بالوطن ومؤسساته وأبنائه، وتؤكد التزامنا القومي بالثوابت، رسالة تليق بالقيادة وبالوطن في يوم ذكرى توحيده.
في يوم الوطن السعودي الأغر تخفق الرايات بالعزيمة، وتخفق القلوب بالولاء، وتهزج الساحات فرحًا، وتتماوج أصداء الولاء في أقصى أطراف الصحراء. كل عام وأنت يا وطننا بخير.
* * *
يا موطني والحروف الخضر مثمرة
وليس يبهج إلا يانع الثمر
فأنت في كل لحن مبهج فرح
في بسمة الطفل في إضمامة الزهر
أهواك أرضًا وأحلامًا وملحمة
فاسكن - هنيئًا - ربوع القلب والبصر
إن كان في حب من يهوى الفتى قدر
فإن هذا الثرى في حبه قدري