عبده الأسمري
دار في ميدان النقد.. واستدار من نقطة ارتكاز «الأدب» فأجاد اللعب في كل مراكز العمل الأكاديمي والثقافي والنقدي.. نهض باكرًا نحو «أفق» المعرفة فانتفض ذاكرًا كل المراحل في «محيط عمر متحد» يرى أن الحياة «أرث» وأن الإنتاج «تراث».
إنه أستاذ الأدب الإنجليزي والنقد الأديب الدكتور سعد البازعي أحد أبرز وجوه العمل الشوري والأداء النقدي والزخم الثقافي المستنير بسيرة ذاتية تتحدث «علمًا» وتنطق «عملاً»
بوجه وقور يتوارد من محيا شمالي زاخر بالهدوء فاخر بالإنصات، وعينان لامعتان تنعكس نظراتها الواثقة من خلف نظارة تكمل ملامح أنيقة مع شارب ولحية كساها بعض الشيب مع أناقة هندام مكتمل بالزي السعودي المنوع ومظهر رسمي تعنونه «شخصية» محفوفة بمتون «النقد» مخطوفة إلى فنون «البحوث» مع صوت جهوري تغلب عليه اللغة الإنجليزية الفريدة المختلطة بمفردات أدبية يتراءى أنها نصوص مكتوبة ولغة بيضاء متقنة لا تفارقه حيثما حل وأينما ارتحل.. أمضى البازعي عقودًا وهو يرسم مشاهد «التميز» مشكلاً «توليفة بشرية» منفردة أسست صروحًا من البحث والنقاش والحوار والترجمة والتأليف والنقد.
في القريات ولد البازعي وسط أسرة ترى أن «الثقافة» أسلوب حياة فنشأ بين أب مسكون بالقراءة علمه قيمة «الكتاب» وغرس في قلبه استقامة المعرفة وأم غمرته بالحنان وأشبعته بالفرح.. فنما مرتكنًا إلى أسئلة غمرت عقله ظل يبحث عنها في عناوين الصحف التي ارتبط بها منذ الطفولة لاجئًا إلى والده «المفسر الأول» لتفاصيل إلهامه «الطفولي» بالتعلم. ركض البازعي مع أخوته واقرأنه معانقًا المرح في أركان بساتين قريته متعانقًا مع ذكريات الطيبين وروائح الطين في الواحات الغناء بإخضرار الأرض وابيضاض القلوب فبدأ تأسيس مدونة «العمر» بأوراق خاصة كان يخبئها بين كتبه الدراسية مجهزًا سيرة الغد في فراغات الاسم والأمنية والعمر والمنطقة التي كان يملأها على أوراق المجلات وفضاءات المجالات باحثًا عن إجابات ترضي فضوله ومعاني تشبع غروره حول منطلقات عقلية كانت «الخلطة السرية» التي شكلها البازعي لاحقًا لنفسه في مراسم الأمنيات وارتسام الطموحات.
نال البازعي البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة الملك سعود بالرياض 1974، ثم الماجستير في الأدب الإنجليزي عام 1978 والدكتوراة في الأدب الإنجليزي والأمريكي من جامعة بردو 1983 أيضاً، وكانت أطروحته حول الاستشراق في الآداب الأوروبية. عاد البازعي للوطن وفي يمناه «قوة التخصص» وفي قلبه «حيوية النقد» وفي روحه «بشرى الكفاح» فعمل أستاذاً للأدب الإنجليزي المقارن بجامعة الملك سعود بالرياض منذ 1984 وحتى انتقاله لعضوية مجلس الشورى عام 2009 وترأس البازعي تحرير صحيفة «رياض ديلي» الصادرة باللغة الإنجليزية ثم رئاسة تحرير الطبعة الثانية من الموسوعة العربية العالمية، ورأس النادي الأدبي بالرياض ورأس لجنة التحكيم لجائزة الرواية العربية العالمية (البوكر) لعام 2014 . وله عشرات العضويات في جهات أكاديمية وثقافية عدة بالداخل والخارج، وألقى عشرات المحاضرات والبحوث التخصصية وشارك في مؤتمرات عديدة في الداخل الخارج. وله عشرات المؤلفات في الأدب والنقد والثقافة والترجمة.
وقف البازعي كمعلم أرضخ المشاهد الثقافية للبحث الذي يعده «مهنة «المسكونين بالابتكار.. مستوقفًا نفسه أمام محطات عدة كانت فيها «القراءة» هاجسه الأول منذ أن كان طالبًا ثانويًا في الصباح وباحثًا نهمًا في نهاية النهار وقارئًا حصيفًا في المساء، فاكتظ فكره بسطوة «النقد» وامتلأت مفكرته بقوائم «الحصاد» العالمي منذ أن كان زبونًا «معتمدًا» لبائعي الكتب على أرصفة البطحاء وشارع الوزير في وقت كان العابرون حينها يهملون «جواهر المؤلفات» فظل يتعامل مع الكتاب كاختبار ذات وامتحان تجربة صانعًا للاتزان بين طموحه وبعد نظره.
حشد البازعي مكملات وتنوعات أثقلت عقله بتراكمية مهيبة من الإيحاء اللغوي والثقافي والتباعد والبعد في المنتج، حيث كان يرصد الأمثال الشعبية في كتب عبدالكريم الجهيمان متنقلاً بين صفحات «الجريمة والعقاب» لتولستوي وغيرها من أمهات الكتب ماثلاً أمام نقاشات الفلسفة في مكتبات أوروبا معجبًا بكتاب الاستشراق لإدوارد سعيد متعجبًا من إنتاج المفكر الفرنسي ميشيل فوكو فجمع الأدوات المعرفية المتباعدة ليحيك رداء «الفكر الثقافي» وينسج خيوط «النقد المقارن» ويصيغ نصوص «الأدب المتنوع» وفق أسس متكاملة من التعاطي والعطاء.. ماخذًا من القراءة عناوين ومن الفكر تفاصيل لبلورة «حراكه الأدبي» و»عراكه الذاتي» مع نفس مجبولة على البحث مصقولة بالمناظرة.
سعد البازعي.. قامة قدمت الكثير وقيمة وثقت الأكثر.. سيظل رقمًا صعبًا وانموذجًا «فريدًا» للأجيال القادمة ورصيدًا بشريًا مديدًا سديدًا في تاريخ «الوطن» وصفحات «الأدب».