عبد الله باخشوين
روح الله يحميك من نفسك ويكفيك شرها..؟!
كانت هذه هي دعوة أمي الأثيرة عندي.. لا تقدم لي النصائح بأسهاب- أسوة بإخوتي- لكن وأنا مكب على رأسها لابد أن أسمعها تقول بما يشبة الهمس:
- لا أوصيك.. الرجال يكون رجال..؟!
وأذهب عجالاً كأن الكلام الذي سمعته منها ليس موجهاً لي.
لكني أكون قد ذهبت بها معي.. تنتشر فيّ وتغمر روحي رائحة بخور وعطر (الشيلة) التي تغطي رأسها..
حتى لكأنني في انحنأتي على رأسها أكون قد رحلت بمثل سرعة البرق في كل عمري الذي مضى وحملت منه رائحتها التي لا شبيه لها ولا مثيل... ولكم هو غريب أننا نمضي بعمر يمضي لا نحمل فيه من أمهاتنا سوى رائحة انكبابنا على رؤوسهن.
لا أذكر أن أمي حضنتني
لابد أنها كانت تحضنني طفلاً.. لكن لا أدري متى؟!
أحياناً -في حضرتها- أحن للمرض.. أريد أن أمرض لتصب الزيت على صدري ويغمرني حنان يدها وهي تمسد صدري بكفوف ضربها(f) برد الشتاء.
لكن لا شيء جلوسي أمامها وهي خلف الوجار تقلب الجمر وتصب لي الشاي.. وتحدثني بأحاديث أدعي الإصغاء لها وأنا ساه عنها غارق فيما أكون قد غرقت مدركاً أنني سمعت جديد قولها الذي بدأت به قبل أن تعيد سرد حكاياتها المعتادة وأنا أحدق في وجهها متصنعاً الانتباه.
أدرك الآن أنني لم أكن لأسافر دون أن تكون معي.. قد لا أذكرها أو أتذكرها.. لكن شيئاً ما يحل قبيل يقظتي.. كأن أسمع صوتها أو أشعر بحركتها توقظني لموعد كدت أنسى أهميته.
ثم هاأنذا.. أريد أن أكتب.. فإذا بي أجدها أمامي تغالب آلام الروماتزم وتنهض وهي تضحك ساخرة من نفسها.. ربما كانت كل الأمهات بارعات في السخرية من أنفسهن في موقف يستوجب الشكوى ولا يردن أن يشكين... غير أنني في هذه اللحظة فقط أدرك أنني احترفت الكتابة وأنا لا أفقه شيئاً في اللغة العربية وقواعدها وإملائها، لا لشيء لكن علني أتمكن في يوم ما من كتابة جميلة تليق بأمي... وأتمنى أن يمتد بي العمر إلى أن أحقق هذا.