عمر إبراهيم الرشيد
تنسب الكثير من المصادر التاريخية اسم أُشيقر إلى جبل يحدُّها من الشمال أشقر اللون، وصُغر الاسم من باب التحبب، وهذه البلدة العريقة التابعة لمحافظة شقراء ضمن إقليم الوشم في وسط نجد، هي من أقدم بلدات نجد، إذ يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، حيث ذكرها الشعراء الأوائل في قصائدهم مثل الحطيئة وغيره. ولن آتي بالجديد كذلك إن قلت إنها زخرت بعشرات العلماء والشعراء منذ القدم وخلال عهود الدولة السعودية، كما سكنها طيف من القبائل والأسر العربية المتحضرة.
العمران هوية، وكتاب مفتوح لمن أراد معرفة ثقافة مجتمع أو بلد أو مدينة، وأشيقر التاريخية بمبانيها الطينية وأزقتها سجل يعبق بالعراقة، والحس البيئي والاجتماعي والاقتصادي في تخطيط البلدة وقت بنائها من قبل أهلها قديماً، وذلك بحسب ما توفر لهم من وسائل وطرق استخدموها بكل أريحية، فكان احترام البيئة حاضرًا في هذا التخطيط ما روَّض قسوة ظروفها الطارئة ومكَّن البلدة وأهلها من اغتنام خيراتها وحسن توظيف ما تجود به السماء من أمطار. ومعلوم ما توفره السكك الضيقة (ضيقة بمعاييرنا حاليًا لا بمعايير ذلك الوقت) من توفير الظل والتخفيف من حرارة الطقس صيفاً عبر التبريد الطبيعي للهواء المنساب من خلال تلك الأزقة، وما يوفره الطين من عزل طبيعي يفوق عوازل اليوم للتدفئة شتاء، كل هذه وغيرها من وسائل بناء حضارية في تلك الفترة، أبرزت (أشيقر) في وسائل التواصل بطريقة تصريف وحفظ مياه السيول وتخطيط البلدة العام كما قلت، وهذا مع أخبار ومشاهد السيول الجارفة والكوارث في بعض دول الجوار وسوء أوضاع التصريف في بعض مدننا. وأبرزها كذلك أن الأحفاد أعادوا الحياة إلى مدينة أجدادهم حيث تمت عملية ترميم رائعة غدت بها أشيقر تحفة تراثية ومتحفاً وطنياً مفتوحاً للسياح.
هذا الحس البيئي أو المعايير البيئية في تخطيط المدن، كما هو التخطيط المبني على أسس علمية شاملة في العالم المتقدم، نجد مثاله في مدينة الجبيل الصناعية التي وكما هو الحال في أشيقر فقد شكلت هاتان المدينتان نموذجاً في التخطيط الحضري مع اختلاف الزمن والمواد والوسائل فقط. الجبيل وهي التوأم لينبع الصناعية كذلك حيث تعدان فخراً للاقتصاد السعودي بإشراف وإدارة (الهيئة الملكية للجبيل وينبع)، لم تجزع من السيول والأمطار الغزيرة منذ تأسيسها، لأنها كذلك راعت مناسيب المياه الطبيعية وأسست مصارف السيول الفرعية للأحياء التي تصب في أخرى أكبر، حيث تصرف السيول بدورها عبر قناة كبرى تصب في البحر، فلا تظل السيول تحار في الشوارع ووسط الأحياء بسبب اعتراض مجاري السيول الطبيعية القديمة عبر البناء العشوائي وانعدام التخطيط البيئي، كما هو حاصل في معظم مدن المملكة والخليج العربي. أشيقر والجبيل تمثلان فكر الأجداد الرصين في الماضي، وحسن التخطيط المبني على أسس علمية في الحاضر، طابت أيامكم.