د.مساعد بن عبدالله النوح
قد يستهجن بعض الشباب الأخذ بمفهوم التسويق عن الذات؛ لمبررات سلبية إما من نظرته لنفسه أو لاعتقادات اجتماعية خاطئة، مثل: الضغط والإلحاح واستجداء الآخرين، وأنه تصرف البائسين، وأنه يسهم في امتهان كرامتهم. وعليه فإن هذا المفهوم إذا أخذ به الفرد كما يجب، فإنه لا يقدح من كرامته، ولا يؤدي إلى إذلال شخصيته.
والتسويق عن النفس ببساطة هو التعريف باسم فرد أو أكثر بأسلوب مميز ولائق من حيث المزايا التي قد ينفرد بها، مثل: التأهيل العلمي، والدرجة الوظيفية، والثقافة العلمية، والانتماء للمهنة أو التخصص، والحماس للمشاركة في أحوال المجتمع، والدراية بحالاته، والمهارات التي يمتلكها لمواجهتها، وقد راته على تقديم الجديد المفيد. تقدم هذه المزايا لصنًاع القرارات في المهنة الذي يُحسب عليها؛ بقصد إتاحة الفرص المناسبة ليس للحصول على وظيفة فحسب، وإنما للاستفادة من معارفه ومهاراته واتجاهاته وقيمه في ممارسات ميدانية.
ويعتقد عدد من الشباب أن توافر المؤهل العلمي بمثابة العصا السحرية التي تساعدهم لتحقيق أهدافهم، وبلوغ أحلامهم بالحصول على وظائف محددة، أو نيل امتيازات معينة. وعلى الرغم من أهمية الشهادة، إلا أنها ليست العامل الرئيس، وذلك لأن سوق العمل يشهد عرضاً أكبر من الطلب من مخرجات النظم التعليمية، وهم من أصحاب الشهادات المختلفة الذين يبحثون عن فرص وظيفية، ولكن من الممكن تحسين فرص الحصول على وظائف مميزة من خلال التسويق عن الذات، الذي يعد من الأساليب اللائقة للشباب في الوقت المعاصر.
ويحتاج الشاب للتسويق عن مقدراته الأخذ ببعض الموجهات التي أشارت إليها الكتابات المتخصصة في موضوع التسويق عن الذات، ليكون تعريفه بنفسه مؤثراً، ومنها: تطوير النفس بشكلٍ مستمر عن طريق التعلم والقراءة في مختلف المجالات، والعمل على تطوير المواهب والقدرات المختلفة من خلال الأخذ بوسائل شخصية، مثل: القراءات الحرة، والاحتكاك بالأفراد الذين لهم نجاحات نوعية، ووسائل رسمية، مثل: الدورات التعليمية وورش العمل والمشاركات في الأنشطة المختلفة.
كما يجب على الشاب إدراك حقيقة أنّ الشخص الذي يتوقف عن التطور هو شخص متخلّف عن ركب الحياة المتطور، ومعرفة الهدف من تسويق الذات أمام كلّ المؤسّسات والشركات المختلفة، وتحديد القدرات التي تطلبها كل مؤسسة والعمل على إظهارها وإبرازها.
وتمييز النفس عن الآخرين وممن هم في نفس المجال والتخصص بقدرات أو مواهب خاصة، بحيث تخدم هذه المواهب الآخرين والمؤسسات المختلفة التي تُعني بهذا التخصّص. واختيار الوقت المناسب لتسويق النفس، والحرص على عرض المواهب والمهارات أمام الأشخاص الذين يُقدّرون هذه المواهب والمهارات.
ومخالطة الآخرين والحرص على بناء العلاقات والصداقات معهم، فمن شأن هذه الخطوة أن تعين الشاب على تسويق نفسه ضمن دائرة معارف أوسع وأكبر، وبالتالي زيادة فرصة الحصول على وظيفة مناسبة. وتقدير الشخص لنفسه وقدراته جيّداً، فالتقدير الجيّد للنفس ينعكس على الآخرين ويؤثر عليهم. وإظهار نقاط القوة باعتدال دون مبالغة أو غرور، وعرض هذه النقاط بطريقة إيجابية ومتسلسلة، ويمكن ترك بعض نقاط القوّة بدون ذكر؛ كي يستنبطها الآخرون. ومعرفة نقاط الضعف جيداً، والعمل على تقويتها بدلاً من إخفائها أو التستر عليها.
والتذكر أنً الشاب كالعلامة التجارية تماماً، وبالتالي فإنّ أي خدش قد يحصل في هذه العلامة قد يصعب إعادة الثقة إليه. والحرص على قول الصدق في كلّ الأمور، حتى وإن لم يكن ذلك يصبّ في مصلحة الشخص، والابتعاد كل البعد عن الكذب والخداع أمام الطرف الآخر. التحلي بالصبر وعدم الاستسلام، فالشاب قد يحتاج لبعض الوقت للوصول إلى ما يريد.
ومن الملاحظات الملموسة على بعض الشباب في تقديم أنفسهم، عجزهم عن وصف أنفسهم وما يملكون من إمكانات خلاقة بالشكل المناسب. ويشعرون أحياناً أن هذه الإمكانات غير جديرة بالذكر، ولذا لا يذكروها، أو أنهم يرون أن ذلك من باب مدح النفس أو الغرور, الأمر الذي يجعلهم يتجهون إلى إخفائها. وبعضهم قد يردد مقولات شائعة، مثل: مادح نفسه كذاب، أو يفهمون التواضع بأنه إنكار للذات.
ومفهوم التسويق عن الذات له أصوله الشرعية. قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام لعزيز مصر {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (55) سورة يوسف، وقوله تعالى {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (26) سورة القصص.