عبد الرحمن بن محمد السدحان
* الحياة بدون الحلم المتفائل. أو التفاؤل الحالم.. هي كليل شتاء جامد، أو صيف حارق. في كليهما أذى للروح والجسد معًا! أقول هذا وأنا أستعيد في ذاكرة الزمن ما آل إليه إنسان هذا العصر من عناء النفس ونكد الجسد، وقنوط الغد! ولذا، تنتابني الرغبةُ أحيانًا فـي الفرار من زوابع الحاضر وفتَنه وإخْفاقاته إلى واحة من الحلم الواعي الذي يربض على رُبى التفاؤل الجميل، ويمكن وصفُ حالة (الفرار) هذه بأنّها ضرب من (التمرد الصامت) تمارسه النفس، سرًا وعلنًا، (احتجاجًا) على ما تراه رمْزًا للإحباط فـي عالمنا الحزين!
***
* إنّ الحلم الذي أرغب (فيه) وأرغب (عنه) فـي آن هو حالة من نور ونار!
* فهو نورٌ كلَّما اقترنَ بالوسيلة المبدعة لتحقيقه!
* وهو نارٌ كلّما حلّق بصَاحبه فـي أجواء يحتضنُها السرابُ! فإذا استعاد وعيَه، أو عاد إليه وعيُه، لم يشهدْ إلاَّ ألسنةً من لهبَ الفشَل!
***
* والحلم بعد هذا وذاك أصناف!
* منها ما يرقى إلى مستوى الإلهام..
* ومنها ما يهبط إلى قاع الفشل..
* ومنها ما تبدّده ريحُ الغلوّ.. فيغدُو هَباءً منثُورًا!
* عندئذٍ، يتحول الحلم إلى (فضلات) تسكن العقل الباطن ولا تؤَتي خيرًا!
***
* ولقد علّمتْني الحياةُ أن أمرَّ الأحلام أعذبُها أحيانًا، لكنّها في هذا الحال تظل أطيافًا لا(تضيء) حقًا ولا(تطفئ) باطلاً.. ولا تروي من ظمأ، ولا تشبع من جوع! والحديث عن (الحلم) معينٌ لا ينضب، يستمدُّ من الوجدان شفافيته، ورحابة أفُقه، وحميمية مضْمونه، لكنه في كل الأحوال، يظلُّ نجْوىً مغلّفةً بخصوصية (الأنا) التي تمنحُ (الحلم) شأنًا خاصًا به ولا سلطة فيه ولا سلطان!
***
* قد يسألني الآن سائل: بمَ تحلم؟ فأقول:
* أحلم بعالم (مفرّغ) من الحرب، (مشحون) بالحب، (نقيَّ) من الإثْرة، (غنّي) بالإيثار!
* أحلم بعالم يعشقُ حريةَ الإنسان وكرامته ومواهبه، ويبدع فـي ردم فجوات الفقر والجهل والمرض والخُلف بين الناس!
***
* وأستشهد على بعض ما أقول بشيءً من (أطلال) طفولتي، فقد كان أغربُ ما فيها أنني لم أحلم يومًا بأيّ مما تحقق لي حتى اليوم، بفضل من الله، سواءً فـي الشأن الشخصي أو العام، والسَّبب فـي ذلك أن مسَاحةً هامةً من فجر طفولتي كان يكسوها جليدُ الحرْمان من حنَان الوالديْن، وزينة الحياة!
***
* كنتُ أحلم آنئذٍ أن أنعم كبيرًا بما افْتقدتهُ صغيرًا، بدْءاً بالغذاء ذي السعرات الغنية بالحياة، وانتهاءً بالرداء المنصف لآدميتي صيفًا وشتاءًا، وأحمد الله من قبل ومن بعد أن تحقق لي أكْثر ممّا كنت أحلم به!
***
* أختمُ هذا الحديث بـ(نصائح) إلى كل (المهرولين) فـي سراديب الأحلام، فأقول:
* إذا تعثّرتْ بك الخُطا فـي دربٍ من دورب الحياة، ولم تنلْ ما تحلم به، فلا تنعَ حظَّك العَاثرَ، أو تلعنَ الظلام! نمْ ملءَ جفونك قريرَ العين.. واحلمْ من جديد، فالأيام حُبْلى بكل ما هو جميل!
* باختصار: لا تحلم بالمستحيل كي لا يتحوّل حلمُك إلى نَصْلٍ يغَتال فيك إرادةَ الحبّ والحركة والحياة!