د. محمد عبدالله الخازم
سنبدأ بحراج السيارات وبعض صفات (الدلالين الفهلويين)، وعليكم تصور أحدهم ممسكًا بمكبر الصوت، (يحرج) على سيارة، وينادي: «سيارة بها أربع إطارات وخامس احتياط، سيارة لونها أسود، سيارة بها محرك يسمح لك بالسير للأمام وللخلف إن احتجت، سيارة بها أربعة أبواب، سيارة بها أنوار أمامية وخلفية، سيارة بها مقود مدور الشكل ويمكن التحكم في ارتفاعه، سيارة بها مثبت سرعة في الطرق السريعة..». ماذا عسانا نقول عن هذا الدلال الذي يحاول إقناعنا بذكائه التجاري الخارق في التسويق والحث على شراء هذه السيارة؟!
هناك من تبهرهم الصورة الخارجية؛ وسيجذبهم هذا الدلال ربما لجمال صوته، أو لبلاغته، أو طريقته الحسنة في وصف السيارة، لكن إن كنت خبيرًا جيدًا فإن السؤال هو: هل قدم لنا ذلك الدلال مواصفات تستحق الذكر عن مدى جودة وكفاءة السيارة المعروضة للبيع أم مجرد أوصاف عامة، يملأ بها الفراغ، وقد تنطبق على جميع السيارات؟
مع الاعتذار لنوعية التشبيه، فإن حالة الدلال هذه نجدها في بعض التقارير السنوية للعديد من قطاعاتنا الحكومية؛ فهي تقول لنا إن هناك مستشفيات، ومرضى وأطباء وأموال تصرف سنويًّا، وهناك طلاب يدرسون، وهناك أكيال من الطرق، وهناك بث تلفزيوني مباشر، وهناك قروض لتربية المواشي، وهناك ملايين تصرف على مستحقي الضمان الاجتماعي، وهناك وهناك من الأعمال المنجزة الطبيعية الكثيرة التي هي مجرد معلومات، وربما إنجازات لا خيار لنا فيها، طالما يوجد أناس تنمو أعدادهم، وتتزايد احتياجاتهم، ولكن ما هي مؤشرات تميز الجودة والنوعية والأداء التي تقدمها لنا تلك التقارير؟ كيف هي كفاءة التشغيل والإدارة؟ وما هي معايير التطوير التي تقدمها لنا تلك التقارير السنوية وما شابهها من تصريحات إعلامية..؟
مؤخرًا، ومع التطور في التقنية ودلالة السيارات إلكترونيًّا، بدأنا نلحظ عروضًا مبهرة في تقارير مؤسساتنا الحكومية، يطغى عليها موجة ما يعرف بالـ(إنفوقراف)، أو العروض المصورة والرسومات والأشكال المبهرة التي تبهر شكلاً، لكنها لا تحكي كثيرًا عن الجودة وعن التغيير والتطور العميق؛ لذا ننبه القارئ بألا ينخدع بكثرة صراخ دلال حراج السيارات حول السيارة المراد بيعها، وإنما عليه التدقيق فيما يبرز له أو يخفى عنه من معلومات تتعلق بجودة السيارة وكفاءة محركاتها وأدائها الميكانيكي.. تمامًا كما هو مطلوب منا التمعن في جودة الخدمة والأداء الذي تقدمه الجهات المغرمة بالإنفوقراف والرسومات المبهرة. الاكتفاء بالرسوم المبهرة، وبالتغني بالأحجام والكميات، وتلخيص الخدمات والأعداد، يجب أن لا يخدعنا ما لم يتوافر معنى ومؤشر للجودة والنوعية وكفاءة الأداء الإدارية والاقتصادية والتنموية. المؤسف أحيانًا حين يكون المسؤول عن القطاع نفسه منبهرًا بتلك الرسوم بسبب تميز إخراجها، واعتقاده أن العرض هو الإنجاز المهم. وربما مثله تنبهر بها جهات رقابية ومعنية بالمتابعة!
العروض والرسوم الجميلة والتلخيص مطلوب ومناسب جدًّا للعرض في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن أرجوكم لا تحجبوا التفاصيل ومؤشرات الكفاءة عن طريق إبهارنا؛ فنحن لسنا في حراج سيارات، وكلٌّ (يزاود علينا) بالرسم الجميل والعروض الإلكترونية التي لا تقدم ولا تؤخر في التعرف الحقيقي على جودة السيارة.