عماد المديفر
إن العلاقة التي تربط الإعلام بالسياسة هي بحسب الخبراء علاقة اعتماد متبادل، لا يستطيع أي منهما الإنجاز وتحقيق الأهداف دون الاعتماد على الآخر.
وقد عبر ألموند Almond في عبارته الشهيرة: «كل شيء في السياسة اتصال» عن طبيعة الأدوار والوظائف المتعددة التي تقوم بها وسائل الإعلام لخدمة السياسي بدرجة تجعل من المستحيل في الوقت الحاضر أن تتعايش الدول دون الاعتماد على وسائل الإعلام، إذ إن النظم السياسية تعتمد على وسائل الإعلام في غرس وتدعيم القيم والمعايير السياسية الخاصة بالمجتمع، كما تعتمد عليها في الحفاظ على النظام السياسي وبث روح الإجماع وتكوين الرأي العام وتعبئة المواطنين لتبني الأنشطة الضرورية، وتعزيز الهوية واللحمة الوطنية، والسيطرة على الصراعات. في حين تعتمد وسائل الإعلام والإعلاميين على النظام السياسي في التسهيلات القانونية والتشريعية لحمايتهم، والمصادر الرسمية وغير الرسمية للتغطية الإخبارية، والعوائد المالية من الإعلانات السياسية والإعانات المالية.
ولوسائل الإعلام وظائف سياسية يبرزها العديد من الباحثين بأربع وظائف أساسية كما يلي:
1. الوظيفة الإخبارية ومراقبة البيئة الخارجية: فوسائل الإعلام إضافة لكونها تمد الجمهور بالمواد الإعلامية، فهي تلعب دوراً سياسياً مهماً في المجتمع من خلال صياغة برامج العمل السياسي، وتحديد وإبراز الأجندات السياسية التي تثار، وأي منها له فرصة التحقيق وأيها سيؤجل أو يهمل، وهي تحدد الأحداث التي سيتم تغطيتها إخبارياً، والأخرى التي سيتم تجاهلها، وبالتالي تحديد ما الذي سيتاح له فرصة جيدة ليصبح موضوعاً للمناقشات السياسية، فبدون التغطية الإعلامية للأحداث يقل تأثيرها السياسي أو لا يكون لها أصلاً تأثير سياسي.
كما أن لوسائل الإعلام تأثيراً واضحاً على المواطن العادي بمنزله فهي عينه وأذنه على العالم المحيط به، إضافة لكونها تنقل الأخبار التي تؤكد أن النظام السياسي يعمل لمواجهة الأزمات المتجددة والأخطار المفترضة، وهو أمرٌ مهم للحفاظ على التماسك الاجتماعي للشعب، وبالتالي توفير البيئة المواتية للاستقرار السياسي للنظام القائم طالما أن الحكومة قادرة على القيام بوظائفها.
2. الوظيفة التفسيرية للأحداث: إذ تقوم وسائل الإعلام بتفسير الوقائع والأخبار وتأطيرها ووضعها في سياقها العام، وصولاً إلى توقع النتائج، إذ إن للتفسير المختار أثره على النتائج السياسية اللاحقة، وتكوين الرأي العام.
3. التنشئة السياسة: إذ إن وسائل الإعلام هي أحد أهم الروافد الأساسية للتنشئة السياسية من خلال الكم الكبير من المعلومات عن عالم السياسة التي تبثها على الجمهور وتصلهم مباشرة من خلال التعرض الانتقائي، أو حتى العرضي. والتنشئة السياسية بحسب (لازويل) عملية يمكن بواسطتها تشكيل الثقافة السياسية أو المحافظة عليها أو تغييرها، والسمة الأساسية للتنشئة السياسية أنها عملية مستمرة على مدى حياة الإنسان. أما الثقافة السياسية فهي بحسب المختصين: «مجموعة القيم والأفكار والمعتقدات التي تتبلور في مجتمع يتميز في ضوئها على المجتمعات الأخرى، وهي العامل الذي يؤثر في الأفراد من خلال القيم، لبناء سلوك سياسي تجاه السلطة السياسية مع التأثير في اتجاهات السلطة نحو الأفراد، وترتبط الثقافة السياسية بأداة مهمة أخرى من أدوات التنمية السياسية هي التنشئة السياسية التي تعني إكساب الإنسان للأفكار والقيم بفعل تكوينه وتربيته لتحمل موقف اجتماعي معين، فالتنشئة والثقافة أدوات متفاعلة لبناء السلوك السياسي في إطار التنمية السياسية».
4. التلاعب أو التأثير المدروس في العملية السياسية: وذلك من خلال بث بعض الأخبار السياسية بهدف إثارة ردود الأفعال العامة أو الدولية، وإيجاد مطالب سياسية جديدة، أو لغرض إثارة النخبة السياسية الحاكمة في هذا البلد أو ذاك وإنتاج الضغوط على صانع القرار للدفع باتجاه اتخاذ قرار ما.
وأرى أن الوظائف الأولى والثانية والرابعة ما هي إلا تفكيك لما يطلق عليه علماء الاتصال مصطلح «البروز» أو «الإبراز» وفق نظرية الأجندة وترتيب الأولويات، وهو البعد الأول للنظرية، أو ما يتعلق بـ(التأطير) أو «التفسير» وهو البعد الثاني للنظرية.. كما أن التنشئة السياسية ما هي إلا نتيجة طبيعية منطقية للإبراز والتأطير، وتسمى (التهيئة) وفق النظرية الإعلامية المشهورة
«وضع الأولويات».
إلى اللقاء.