حمّاد السالمي
* ماذا يجري اليوم..؟ وماذا سوف يجري بعد اليوم..؟
* كل مراقب حصيف؛ يسأل هذا السؤال، حتى وإن كانت الإجابة عنه محسومة منذ آلاف السنين. كل كبيرة في هذا الكون تبدأ صغيرة، وكل مشكلة تظهر ولها سبب ومسبب، وكل كلام وإن قلّ؛ قد يتبعه فعل خطير. ومع كل هذا التراكم المعرفي عبر الحقب التاريخية المتتالية، لم يتعظ الإنسان، ولم يندحر الشيطان، وظل الباطل ينازع الحق بشتى الطرق والوسائل.
* نعيش حقبة لحرب كلامية بامتياز؛ لكنها لن تبق كلامية إلى الأبد. الحروب الكلامية التي تجري على الهواء مباشرة؛ وعلى سمع وبصر كل البشر هنا وهناك؛ تقود غالبًا إلى نهايات غير سارة. لقد كانت بدايات الفتن والحروب؛ وما نتج عنها من خوف، وتجويع، وقتل، وتشريد في شتى قارات العالم.. كانت بداياتها كلام في كلام، ونهاياتها المفجعة؛ لم تستثن حتى تجار الكلام أنفسهم، الذين أشعلوا فتائلها، وأوقدوا نيرانها.
* حروب الكلام التي اعتمدت على الرواية والنقل فيما مضى؛ أضحت اليوم قريبة جدًا.. بل لصيقة. ليست مقروءة فقط؛ وإنما مسموعة ومرئية عبر فضاء الإعلام الواسع، من إذاعات، وتلفزات، ووسائل (السوشيال ميديا)، التي حولت هذا العالم إلى قرية كونية صغيرة. في كل زمان ومكان؛ تبدأ الحروب الاقتصادية والسياسية والعسكرية؛ بحروب كلامية إعلامية، تبسط وتمهد وتبرر لها حتى تنشب.
* تبدأ الحرب الإعلامية بين الدول والشعوب عادة؛ بتجار كلام بارعين، يقبضون ثمن جهودهم المضنية في تزييف الحقائق، والكذب، وممارسة الردح ليل نهار، والتكريه والتحريش بين أبناء البلد الواحد، طائفيًا ومناطقيًا، وتحريض المجتمع على قياداته وساسته، والتشكيك والتشويش على المتابعين؛ حتى لا يرى الواحد منهم إلا سوادًا في سواد. هذا على مستوى المجتمع الواحد، وما يجري عادة من مناوشات وحروب بين هذه الدولة أو تلك؛ لا يخرج عن هذه الدائرة الإعلامية القذرة، التي تتصيد الأخطاء، وتتسقط السقائط، وتجعل من الحبة قبة. ما قامت فتنة واحتراب بين فئات المجتمع الواحد، ولا حرب بين دولة وأخرى، ولا حروب عالمية كبرى؛ إلا وسبقها حرب كلامية مهدت وسوقت لها.
* ماذا نعني بالحرب الإعلاميّة..؟
* إنها- كما عرّفها المختصون- حرب كلامية، تقوم على بث أفكار، وإشاعات، ومعلومات خاطئة ومغلوطة وغير سويّة بين الناس، من خلال الفضائيات، والإذاعات، والإنترنت، والصحف، بهدف تغيير وجهات النظر، وتسييرها باتجاه ما هو مطلوب منها، وتحقيق التضليل الإعلامي، والتلاعب بالرأي، والوعي العام، وسلوك المواطنين، فهي من أخطر أنواع الحروب، نظراً لتأثيرها في نفسيّة متلقي المعلومة، وعمل غسيل دماغ لما يؤمن ويقتنع به، مما يجعله يغيّر الواقع اتباعاً لما تلقى وترسّخ في عقله، كما أنّها تعدّ حرباً باردة أو ناعمة كما يقال اليوم، لا يمكن التنبؤ بنتائجها ونهاياتها، وفي بعض الحالات؛ لا يمكن معرفة المسؤول عنها، كما تأتي الحرب الإعلاميّة؛ مرافقة لبقية أنواع الحروب، سواء كانت عسكريّة، أم اقتصاديّة، أم سياسيّة. وقد تكون في حالة السلم؛ بهدف فساد عقول الشباب والأمة، ونشر الفوضى والإرباك بين صفوفهم.
* لماذا يُحذر عقلاء الفكر وقادة الرأي من الحروب الإعلامية..؟
* لأنها ببساطة؛ تؤدي إلى التأثير في نفسيّة المتلقي، وتعمل على تثبيط عزيمته، وسلب إرادته، وبالتالي.. سهولة السيطرة عليه، فكم من حرب تم تحقيق النصر فيها؛ بسبب ما تم بثه من أفكار ومعلومات، صحيحة أو كاذبة. وقد تستخدم هذه الآلة.. آلة الحرب الإعلامية؛ لمواجهة الخصوم، وصد المعتدين إعلاميًا أو سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. في هذه الحالة؛ تكون الحرب الإعلامية إيجابية ومشروعة.
* بينما يحتفل العالم بمرور مئة عام على وقف الحرب العالمية الأولى؛ نتذكر جيدًا؛ أن حرب داحس والغبراء؛ بدأت بناقة، واشتعلت بمفاخرة ومنافرة كلامية، وحروب كثيرة قبلها وبعدها؛ بدأت ببيت شعر، أو بمنابزة بين قبيلة وأخرى. والحربان العالميتان الأولى والثانية؛ أشعلهما سباب وشتام، وكلام من هذا الطرف أو ذاك، وقس على هذا.. ما تعرضت له أقطار عربية في عصرنا؛ مثل ليبيا وسورية واليمن. كانت شعوبها وادعة آمنة؛ حتى برز لها تجار الكلام في إعلام الحمدين المفتن، مدعومًا بمال الشعب القطري السائب؛ فاستبدلت الحرب بالسلم، وحل بها ما حل من تخريب وتدمير وقتل وتشريد.
* إن الذي يمارس اليوم؛ من منابر صحافية وتلفزية وغيرها؛ موجهًا ومدعومًا على وجه خاص؛ من (قطر وتركيا وإيران)؛ تعززه مليشاتها الإرهابية من: (حزب اللات، والحوثيين، والإخوان المفسدين)؛ إنما ينذر بشر مستطير قادم، إذا لم يتدخل عقلاء العرب والعالم؛ لوقف هذا الاتجار الكلامي المقيت المؤدي إلى التهلكة.
أَرَى خَلَلَ الرَّمادِ وَمِيضَ نَارٍ
ويُوشِكُ أَنْ يكُونَ له ضِرامُ
فإِنَّ النَّارَ بالعُودَيْنِ تُذْكَى
وإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُها كَلامُ
وإِنْ لَمْ يُطْفِئهَا عُقَلاءُ قَوْمٍ
يكونُ وقودُها جُثَثا وهاما