د. محمد عبدالله العوين
كان موقف الدكتور محمد محمد حسين النقدي من شعر حسان بن ثابت -رضي الله عنه- في كتابه «الهجاء والهجاؤون في الجاهلية» مختلفاً عن الرؤية النقدية التي تبناها الأصمعي وأخذ بها كثيرون من النقاد؛ متكئين على أن الشاعر عاش نصف عمره قبل إسلامه منشغلاً بأغراض شعرية مألوفة عند شعراء الجاهلية وتفوّق فيها، ولذلك كان حسان شديد العتاب للنابغة الذبياني أحد محكمي سوق عكاظ حين لم يختر إحدى قصائده الطوال ضمن المعلّقات، وعد موقفه هذا غير عادل.
ولئن كان محمد محمد حسين متصلباً في موقفه؛ على الرغم من أنني أوردت الاستدلالات النقدية التي أخذ بها الأصمعي وغيره لم أجد في نفسي ما يثير حفيظتي عليه؛ فقد تعلّمت أن أتقبل الصدمات وأن أستوعبها وأخرج منها بفائدة، وهذا ما حصل مع أستاذي الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا؛ لكن باختلاف شديد في النتيجة لصالحي؛ فقد كان يملي علينا مذكِّرة عن مصطلح «الأدب الإسلامي» ويضع له حدوداً ويرسم له ملامح ويأتي باستنتاجات ويقرِّر له ضوابط ويسوق على ما يذهب إليه شواهد، ولأنه كان مقعداً إثر جلطة أصابته ولا يسير إلا على كرسي ما كان قادراً على الصعود إلى الدور الأول من الكلية التي كانت -آنذاك على شارع الوزير مقابل مسجد العيد- فكنا طلاب الدراسات العليا نلتقي به بعد صلاة المغرب في حديقة الكلية، ويبدو من سياق ما يمليه أنه كان وليد فكره وثمرة استنتاجاته؛ فلم نكن نعلم قبل إملائه تلك المذكِّرة شيئاً عن هذا المصطلح؛ فدار بيننا سجال عن مدى إمكانية تطبيق الشروط التي فرضها المصطلح على الأدب، وكان الدكتور واسع الصدر لبقاً رقيقاً خفيفاً على نفوسنا؛ فما ضاق باختلافي معه، وقد صدق فعله قوله؛ فما أن جاء الامتحان وكتبت رؤيتي كما أبديتها له في حوارات الدرس وكنت مشفقاً على نفسي وجلاً أن يتكرر الموقف السابق فأصاب بردة فعل عنيفة قد لا أجد بعدها ما يحملني على مواصلة الدراسة في القسم؛ بيد أن سعة أفق الباشا كانت أقرب إلى عطف الأستاذ على تلميذه وأبر وأرحم من أن يعاقب طالباً على اختلافه معه في موقف نقدي عن غاية الأدب وتطبيق شروط المصطلح الجديد بقسوة مما قد لا يجد الأديب له فضاءً واسعاً للإبداع.
الحق أنني لم أجد -آنذاك- صلة بين نحت المصطلح وفكر جماعة الإخوان، ولكنني وجدته شديد التقييد للأديب فحسب، لم أشعر -إلا متأخراً- أن الجماعة كانت تبحث لها في كل مجال إبداعي وفكري عن تعريف وتحديد؛ بحيث تقولب الحياة بناءً على ما يذهب إليه مفكروها كما فعل المودودي وسيد قطب ومحمد قطب في تحديد معنى الجاهلية الجديدة؛ بما أفضى إلى التساهل في نفي كثيرين من دائرة مصطلح إسلامية الأدب.
على أن الباشا رغم اختلافي معه في هذا المصطلح النقدي كان كريماً وعطوفاً؛ فمنحني الدرجة كاملة - رحمه الله. يتبع