نادية السالمي
اللعنة التي رفعت من قيمة الأساطير، الوفاء للخرافة، وهاهو صاحب الجلالة «المثقف» يُذكّي في النفوس هذا الوفاء بإعادة تدوير الأساطير، فأنعم به من إمعة.
لا إضاءة ولا وضاءة في قلب الحدث:
استخدام الخطاب العاطفي، ودغدغة المشاعر واللعب على المخاوف من أجل الحصول على أي امتيازات، رأي لا عقلاني. يجعل المثقف تحت سيطرة الجماهير المصفقة له.
فإذا كان التخوين حقا مشروعا فما حاجتنا للحوار الوطني، بكل بساطة إذن بخائن نستطيع أن نسم على جباه من نعتقد أنه خائن وننشغل بتوزيع التهم وبلا محاكمة ننطق بالحكم، وندع نقاش الأفكار طالما أننا لا نحمل معرفة عميقة، ورؤية منهجية تحمينا من تخبط الأزمات!.
تفشي الغوغائية يعني أن الطريق الذي نسير عليه رغبة في التقدم والتطور غير صحيح، والأسلوب الشعبوي الذي نستخدمه لن ينتصر لقضية ولن ينصف موقفها، ومشكلة الشعبوية في الأزمات امتداد رقعتها حتى وصلت للمثقف والإعلام، ودور المثقف إعادة التفكير في سلوكه وما وصل إليه من نتائج بلا مكابرة.
من العجيب أن نطلب الحكمة والوعي من إنسان عاش الغوغائية ومنّى نفسه أن يكون أحد أبرز صنّاعها يوما ما، والأعجب أننا للأسف نطلب اليوم هذا من المثقف الذي من المفترض أنه عاش عمره متسلحًا بالكتب، متبعًا سبيل الوعي متجنبًا الحياد عنه!.
نعم التعصب ليس أمرًا طارئًا لكنه فراغ آهل بالانحدار حين ينتمي له المثقف. للأسف مضطرة اليوم أن ألقّن أستاذنا المثقف أول درس كان من المفترض أنه تعلمه وأتقنه.. لستَ كل الناس ولا تملك من الحقيقة إلا طرفًا واحدًا وبقية أطرافها بعيدة عن متناول عينيك وربما وعيك، فالحقيقة المطلقة لا وجود لها فما هو في نظرك حق، باطل في نظر غيرك فالأمر نسبي.
راديكالية الشعبوية:
الشعبوية تمتاز بالسطحية وافتقار المنطق، فإذا كانت الشعبوية تُعرّف نفسها بأنها المتصدية لمنهج النخب. فماذا سيقول المثقف عن نفسه وهو يقف في صف الشعبوية؟!.
النخب التي ظلت حريصة على الحقائق، وتسعى جاهدة للاستدلال بالمنطق ولا تجد الاحتفاء والقبول من الجمهور جنحت لتجربة الصعاليك وسلوك الشعبوية، والخطابات المكروهة سابقًا، والتي لا حق ولا حقيقة فيها إلا إدارة العواطف في الاتجاه المراد، أصبحت خطابات النخب الشعبوية بذات الفكرة ونغمة العواطف!.
الشعبوية حين تصبح قوى سلطوية في الأزمات قد يستجيب لها المثقف لمحاكاة خوف الناس وكسب التأيد، وهي بدراية أو دون دراية تستفيد من شعبوية المثقف المنطوي تحت لوائها إذ تريد أن تضرب به مثقفًا آخر، وترميه في غياهب خيانة وطنية أو دينية وحتى إنسانية بمبررات يستطيع المثقف وحده أن يزخرفها ويلبسها ثياب الحقيقة.
عزيزي المثقف:
لا تعتقد أنني بخسارة الحكمة في منطقك فرحة، ولا تظن أني مسرورة بأن خانت الثقافة سعتها وسمعتها، الأزمة ستنجلي والتاريخ سيسجل مواقف الجميع، وأرجو أن تقف التهم عند هذا الوجع ويكف ارتداد الصدع عند هذا الحد.
إذا كنت بسبب الأجواء المشحونة الغاضبة لم تجد نفسك مسيطرًا على ما تسلحتَ به من وعي الأزمات وحكمة المنعطفات التراكمية فمن الأفضل لك الانعزال والبعد عن الجماهير التي أصبحت تؤثر عليك، ولا تؤثر فيها.
كل أزمة وأنت بخير.