د. عبدالحق عزوزي
بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نظمت منذ أيام فعاليات منتدى السلام بالعاصمة الفرنسية باريس الذي استمر لمدة ثلاثة أيام بمشاركة أكثر من 60 من رؤساء دول وحكومات العالم، وذلك لمناقشة قضايا السلام والأمن، والبيئة، والتنمية، والمجال الرقمي والتكنولوجيات الحديثة، والاقتصاد الشامل.
وعقد المنتدى بمناسبة مرور مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى، وشارك فيه عدد كبير من قادة العالم من أبرزهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كما شارك في المنتدى رؤساء أبرز المنظمات الدولية مثل المنظمة الأممية والتجارة العالمية، واليونسكو، والمفوضية السامية للاجئين، ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها من المنظمات فضلاً عن مشاركة ممثلين عن المجتمع المدني بمختلف أطيافه ومنها الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات والإعلام ورجال الدين والنقابات العمالية وغيرها.
ويأتي انعقاد منتدى السلام ليكون بمنزلة اجتماع سنوي جديد لجميع الجهات الفاعلة في مجال الحوكمة العالمية لعرض المشروعات والأفكار والمبادرات التي تسهم على نحو فاعل في تحسين التعاون الدولي بشأن الرهانات العالمية الأساسية وتحقيق عولمة أكثر عدلاً وإنصافًا، وبناء نظام متعدد الأطراف وأكثر فعالية، وتنظيم الإنترنت والتبادل على نحو أفضل، فهو يدعم فكرة أن التعاون الدولي هو مفتاح التصدي للتحديات العالمية وضمان السلام الدائم.
فالأمين العام للأمم المتحدة يجد على طاولته يومياً المئات بل الآلاف من المشاكل المستعصية، ويجد صراعات لا متناهية على النفوذ في العالم بين الدول القوية... وهي مشاكل لا يمكن تفاديها ولا حلها ولو كان الجالس على كرسي الأمم المتحدة عبقرية زمانه... لأن طريقة عمل الأمم المتحدة هي من ميراث الحرب العالمية الثانية، والنظام العالمي يتغير يوماً بعد يوم، ويستحيل عليه أن يوسم بالاستقرار مع طبيعة النظام في روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وطبيعة مكونات الفاعلين القدامى والجدد في العلاقات الدولية المعاصرة، بمعنى أن القرارات التي تؤخذ هي قرارات لن تخرج قيد أنملة عما ألفه العالم من هاته المنظمة العالمية. السؤال الذي يطرح: ما العمل؟ وبالضبط هل يمكن لمثل هاته المنتديات من إصلاح الأمم المتحدة؟
إصلاح الأمم المتحدة من المواضيع الحساسة والصعبة التي تؤرق المشتغلين في العلاقات الدولية والمتتبعين للأحداث المتسارعة في الساحة الدولية. فهاته المنظمة الأممية أنشئت سنة 1945 وبني هذا الإنشاء على علاقات القوة الموروثة من الحرب العالمية الثانية التي جعلت من الدول الخمس الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا) تتوافر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكن أن تستعمله متى تشاء وحسب معاييرها الاستراتيجية الخاصة بها، بل في بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص. وبعد سنة 1945 حصلت تطورات جيوستراتيجية دون أن يصاحب ذلك أي تطور أو إصلاح ملموس لميثاق الأمم المتحدة.
عند تأسيس الأمم المتحدة سنة 1945، كانت هناك فقط 51 دولة عضوة، أما اليوم فهذا العدد يتعدى المائتين، بمعنى أن الأمم المتحدة هي اليوم منظمة عالمية بامتياز، وكان حري بميثاقها أن يتطور تبعاً للمستجدات التاريخية كنهاية الحرب الباردة بين العملاقين النوويين، الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، وكتوزيع جديد لمفهوم القوة على الصعيد الدولي، لم تعهده البشرية من قبل...
وهذا الكلام يعني أن التركيبة الحالية لمجلس الأمن وأن مبدأ حق النقض «الفيتو» المتوافر لدى خمس دول لم يعد مستساغاً.
ثم إن أية محاولة إصلاحية جادة لميثاق الأمم المتحدة تصطدم بالمادة 108 من هذا الميثاق التي تقول: «التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء «الأمم المتحدة» إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء «الأمم المتحدة» ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقاً للأوضاع الدستورية في كل دولة». بمعنى أن أي إصلاح مع وجود هاته المادة صعب بل غير ممكن ما دام أن ذلك سيبقى خاضعاً لحق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. فلا أخال دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية مستعدة لترك كرسيها لدولة أخرى مهما كان الثمن. ثم إن الدول البارزة التي تطالب منذ وقت بعيد بعضوية دائمة داخل مجلس الأمن (ألمانيا، اليابان، الهند، البرازيل، ودول أخرى) غالباً ما تتبعها ترشيحات مشروعة من دول أخرى، وكل هذا يجعل من إصلاح الأمم المتحدة مسألة صعبة بل مستحيلة.