د. عبدالرحمن الشلاش
مفردتان لشيئين أحدهما حسي وهو البشت، والآخر معنوي وهو لقب شيخ. كتبت سابقا مقالين منفصلين عن هذين الشيئين. اليوم أحاول أن أربط بينهما قدر المستطاع. بغض النظر عن حرف الشين المشترك بينهما فإن هناك روابط أكثر أهمية وأكثر تأثيرا في الواقع الاجتماعي الذي يعاني من هبوط حاد لدى شريحة لا يستهان بها من أفراده.
ربما أكثر رابط في الوقت الحالي بينهما لدى كثيرين ما يسمى بـ»الهياط» وهو ظاهرة سيئة رافقت في مدى زمني ليس بالقصير حالة الترف التي تنعم بها بعض الشرائح حيث تظهر بعض الوجوه في بعض المناسبات في محاولات مستهجنة لمحاكاة الكبار من أصحاب المناصب ورجال الأعمال والأثرياء، هؤلاء هم من يطلق عليهم المهايطية ومن سماتهم السيئة القفز على واقعهم المتدني إلى واقع لا يتناسب مع إمكاناتهم المادية الضعيفة، ولا مراكزهم الوظيفية أو الاجتماعية.
يلجأ أهل الهياط من أجل الظهور الاجتماعي المرموق إلى أدوات مضللة للناس مثل إطلاق لقب شيخ عليهم وارتداء البشت والذي لا تستبعد أنه قد استعاره من أحدهم ليقدم به فاصلا من الاستعراض وسط عبارات المديح والثناء خاصة إن كان قد أقام وليمة دسمة لضيوفه، أو استخدام البشت عند مراجعة الدوائر الحكومية وحضور المناسبات الكبيرة وبعضهم لا يتورع عن التردد على دواوين الدولة وإزعاج المسؤولين وإحراج الحراس ورجال الأمن.
يرتبط لبس البشت غالبا بلقب الشيخ، وهذا اللقب كما هو معلوم في مجتمعنا يطلق على كبار السن وعلماء الدين والفقهاء والقضاة وشيوخ القبائل حسب العرف السائد، وقد يتعدى هذا ليطلق على خطباء الجمع وأئمة المساجد ومن له علاقة بالدعوة وكلما توسعت الدائرة ضاعت الطاسة. أرى أن شيخ وبشت أكثر شيئين امتهانا بصورة غير مسبوقة مما قلل من أهميتهما المعنوية على الأقل. سمح لكل من هب ودب فاختلطت الأوراق, ولم نعد نفرق بين الشخصيات الهامة والشخصيات المنتحلة ! رغم أن كثير من الشخصيات المرموقة قد تخلوا عن لبس البشوت عند أدائهم لأعمالهم أو جولاتهم العاجلة, ووجد بعض الراقين غضاضة في تلقيبهم بشيخ وفضلوا لقب أستاذ.
أذكر أن وزارة الثقافة والإعلام قد وجهت وسائل الإعلام في وقت سابق بمنع إطلاق شيخ على من لا يستحقه سواء في الأخبار والإعلانات، وقبل أيام وجهت الوزارة ذاتها المطابع بعدم تدوين لقب شيخ على بطاقات دعوات الزواج ما لم يكن من الشيوخ المعتمدين من وزارة الداخلية. مثل هذه القرارات جيدة للحد من المظاهر الكاذبة والانتحال الذي يجرمه القانون وبانتظار مزيد من القرارات التي توقف هذه الظواهر المسيئة للمجتمع.