سلمان بن محمد العُمري
عشرون عاماً على وفاة علامة القرن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -طيب الله ثراه-، ولا زالت محامده وآثاره المباركة قائمة وحاضرة، بل ومتتابعة بما خلفه -رحمه الله- من علوم نافعة وأعمال طيبة مباركة وتلاميذ وطلاب علم ومشايخ يملأون الآفاق شرقاً وغرباً وفي كل أصقاع العالم.
لقد عمل الشيخ -رحمه الله- في القضاء وفي التعليم وفي الدعوة، وامتدت مسيرته العملية لأكثر من سبعين عاماً وكان نعم العالم، ونعم المربي، ونعم الداعية فلم يحل في مكان إلا وكان له أثر طيب مبارك لأنه لا يلتزم بمواعيد العمل الرسمية فقط، فهو يحمل هم الأمة، وهم الدعوة حريص على منفعة الناس في دينهم ودنياهم فمنذ صلاة الفجر وحتى خلوده للنوم في الليل لا يخلو بيته ولا مكتبه ولا حتى سيارته في الطريق من طالب علم أو مستفتي أو طالب حاجة، وكان يتقبل الناس بصدر رحب.
يقول أحد المشايخ: الشيخ عبدالعزيز بن باز فيه خاصية تميزه عن غيره وهي أنه يسعى إلى مصلحة الناس بالقول والفعل والكتابة والشفاعة والوعظ والتذكير فلا يصبر على فعل الخير والمعروف قولاً وعملاً، في العلم والتعليم أو في الشفاعات أو قضاء حوائج الناس، وعلى الرغم من كثرة مشاغل شيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله تعالى- وتشعب مهامه وتصديه لحوائج الناس إلا أنه لم يترك طلب العلم ولم ينشغل عن الكتاب قط فإن الكتاب سميرة وأنيسه وكانت كتب العلم بأنواعها تقرأ عليه آناء الليل وأطراف النهار.
من خلال عملي الإعلامي، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ووزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد ولما يزيد عن عشرين عاماً التصقت بسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في مناسبات كثيرة ورأيت محبة الناس له بدءً بولاة الأمر ملوك هذه البلاد -رحمهم الله-، وقد شاهدت ذلك من الملوك خالد وفهد وعبدالله -رحمهم الله-، ومن الملك سلمان -حفظه الله- ومن أصحاب السمو الملكي الأمراء، ومن العلماء وطلبة العلم ليس في داخل المملكة بل وحتى خارجها فكان هو المذكور بخير والمقرون اسمه بالثناء والدعاء لمن عرفه ولمن لم يعرفه، وما أن يحل في مناسبة إلا تجد الصغير والكبير مُحيياً له ومقبلاً لرأسه ويقابلهم بالود والترحاب والبشاشة والدعاء الصادق، ولمن يسلم عليه لأول مرة يحتفي به وكأنه يعرفه من سنوات عدة أو من قرابته الخاصة، فامتلك بهذه الخصلة وغيرها من الخصال الحميدة قلوب الناس ومحبتهم.
كانت مؤلفاته قليلة جداً وما نراه اليوم من عشرات المجلدات هي ثمرة لمجموعة الدروس اليومية التي كان يقوم بها وسجلها تلامذته إلى جانب الفتاوى التي بلغت 37 مجلداً، وقد سار الشيخ ابن باز -رحمه الله- على خط علماء نجد بوجه عام فأكثر من الدروس والشروحات والتعليق على الكتب، وأملى الكثير من التعليقات حتى قبيل وفاته بأيام فلم يكن يترك الدروس اليومية لافي حضر ولا في سفر، وهو لم يقطع القراءة والعلم والدرس حتى آخر أيام حياته وفي وطأة المرض وشدته بل ولم تشغله مناصبه العلمية والإدارية الكبيرة من العلم ودروسه، ومن التصدي لحوائج الناس في داخل المملكة وخارجها، ومما يحضرني مقولة للشيخ عبدالمحسن العباد -حفظه الله- وهو الذي لازم الشيخ ابن باز في الجامعة الإسلامية وخلفه بعدها يقول واصفاً الشيخ ابن باز -رحمه الله-: (منهج سديد يقوم أهل السنة ولا يقاومهم، وينهض بهم ولا يناهضهم، ويسمو بهم ولا يسمهم، منهج يجمع ولا يفرق، ويلم ولا يمزق، ويسدد ولا يبدد، وييسر ولا يعسر).
والشيخ عبدالعزيز بن باز وإن كان على المذهب الحنبلي إلا أن رائده الدليل وقد سجلت رسالة علمية بين فيها معدها أن العلامة المجتهد ابن باز خالف شيخ الإسلام ابن تيمية والمذهب الحنبلي والمذاهب الأربعة في عشرات المسائل الفقهية، وأوضح الباحث خالد بن مفلح الحامد في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه التي جاءت بعنوان: «اختيارات الشيخ ابن باز وآراؤه الفقهية في قضايا معاصرة». أن الشيخ ابن باز -رحمه الله- قد خالف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في ثلاث وسبعين مسألة من المسائل الفقهية في قضايا معاصرة وقد انفرد عن مذاهب الأئمة الأربعة في خمسة وسبعين مسألة من مسائل البحث.
رحم الله الشيخ عبدالعزيز بن باز فما يحل ذكره في بلادنا وبلاد المسلمين إلا ويدعى له ويترحم عليه، ويثنى على أعماله الجليلة وعلومه النافعة.
اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه ووالدي وموتانا وموتى المسلمين.