الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حدد فضيلة الدكتور علي بن يحيى الحدادي رئيس قسم السنة النبوية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض الأمارات التي يمكن من خلالها التعرف على دعاة الأحزاب والجماعات المنحرفة عن السنة، مشيراً إلى الأسلوب الدعوي الخفي الذي مارسته الجماعات الإرهابية كالإخوان وما تفرع عنها من السرورية وتنظيم القاعدة وداعش وغيرها.
وبين د. علي الحدادي في حواره مع «الجزيرة» واجب المتخصصين في السنة النبوية تجاه من يتطاول على شخص النبي صلى الله عليه وسلم؛ على الرغم أن التطاول ليس بظاهرة في مجتمعنا والمجتمعات الإسلامية.
وشدد الدكتور الحدادي على الشأن العظيم للفتوى، مشيراً إلى أن مسألة التكفير من أخطر المسائل وأعظمها. كما تناول الحوار عدداً من المسائل والقضايا المتنوعة.. وفيما يلي نص الحوار:
* في رأيكم ما سبب انتشار ظاهرة التطاول على شخص النبي عليه الصلاة والسلام أو سنته ممن يتحدثون بلغتنا ويتسمون بأسمائنا؟ وما مسؤوليتكم كمتخصصين في السنة النبوية تجاه ذلك؟
* من حكمة الله تعالى أن جعل للأنبياء أعداء في حياتهم وبعد مماتهم يكيدون لدعوتهم ولأتباعهم كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم أعداء في حياته من أول يوم دعا الناس إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً إلى أن لحق بالرفيق الأعلى فعاداه من عاداه من مشركي قريش ومشركي العرب ومن يهود المدينة ومنافقيها وغيرهم.
ولكن الله تعالى وقاه شرهم وكفاه أذاهم ونصره عليهم وجعل العاقبة له ولحزبه الموحدين كما هي سنة الله تعالى في أنبيائه ورسله وأوليائه {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
ومن يضمر العداوة والبغضاء للنبي صلى الله عليه وسلم أو يستطيل على مقامه الشريف بلسانه أو قلمه فإنه مدحور وعاقبته إلى خزي الدنيا والآخرة إن لم يتب كما قال صلى الله عليه وسلم (وجعل الذل والصغار على من خالف أمري).
وبحمد الله أن التطاول على شخص النبي صلى الله عليه وسلم أو سنته ليس بظاهرة في مجتمعنا وكذا في عامة المجتمعات الإسلامية وإن وجد من ذلك شيء فإن عامة المسلمين فضلاً عن خاصتهم لا يرضون به لما تأصل في قلوبهم من محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره، ولذا يبادرون إلى استنكاره ورفضه كما هو شائع معلوم.
وأما واجب المتخصصين في السنة النبوية تجاه من يتطاول على شخص النبي صلى الله عليه وسلم أو سنته فيمكن تلخيصه في النقاط التالية:
أولاً: الرد العلمي على ذلك التطاول والعدوان على النبي صلى الله عليه وسلم أو سنته، وإبطاله بالأدلة والبراهين، وبيان الحق وتقريره بأدلته. ونشر هذه الردود عبر وسائل النشر المختلفة مقروءة أو مسموعة أو مرئية، تقليدية أو وسائل حديثة عصرية.
ثانياً: التذكير العام بمقام النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته وبيان حقه على أمته، وتجلية حكم المعتدي على مقامه بسب أو تنقص أو استهزاء، وبيان أثر ذلك على إسلام فاعله، والعقوبات المقررة شرعاً على ذلك الجرم القبيح. وما يجب على الأمة من ولاة أمر أو أهل علم أو عامة تجاه من يسب النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلم كل منهم الواجب عليه فيقوم به دون إفراط ولا تفريط.
ثالثاً: ترشيد عامة المسلمين إلى الطرق الصحيحة في الاستنكار لأننا قد شاهدنا صوراً من التعبير عن الغضب والسخط لا يقرها شرع ولا عقل كالمبادرة إلى تكفير شخص معين نسب إليه سب النبي صلى الله عليه وسلم دون مراعاة لشروط تكفير المعين وانتفاء موانعه، وكالمظاهرات التي ينتج عنها قتل أو تدمير للممتلكات وإقفال للطرقات وتعطيل للمصالح وتهديد أمن الناس مع أن الجاني على مقام النبي صلى الله عليه وسلم في دولة أخرى، وذلك نتيجة تهييج العوام وإثارتهم دون مراعاة لأحكام الشريعة الإسلامية.
* من الملاحظ أن الأحاديث التي يعترض عليها بعض من ينتسب إلى الإسلام هي نفسها التي اعترض عليها سابقاَ الملحدون والمستشرقون فعلى ماذا يدل هذا؟
* التشكيك في السنة عامة أو التشكيك في بعض السنة أو رفضها أو رفض بعضها ليس بالأمر الجديد بل هو قديم فرأس الخوارج رفض سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة غنائم حنين، وأتباعه من الخوارج إلى يومنا لا يرتضون سنة النبي صلى الله عليه وسلم في أبواب الإمارة والسمع والطاعة لولاة الأمور مثلاً كما شغبوا حديثاً على قوله صلى الله عليه وسلم (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ) وهو في صحيح مسلم.
والمعتزلة الذين ظهروا في عصر التابعين - وليسوا من التابعين بإحسان- كانوا يردون الحديث النبوي بعقولهم فيما يزعمون وإنما يردونها بأهوائهم في حقيقة الأمر، فما لم يفهموه أو ما لم يرق لأذواقهم رفضوه وربما سخروا منه، ومن هذا الصنف السائر على درب المعتزلة الأعوج من يطعن في حديث الذباب إذا وقع في الإناء وهو في صحيح البخاري، وحديث الأمر بقتل الأوزاغ وهو مخرج في الصحيحين وغير ذلك. فعلى المسلم أن يتلقى صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالتسليم والقبول ولا يردها بعقله ولا بذوقه ولا بغير ذلك كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.
وعليه ألا يغتر بمن يشكك في السنة أو يسخر بشيء منها ولو كان مشهوراً في القنوات الفضائية بأنه الداعية (فلان بن فلان) فالحق أحق أن يتبع.
وليس بغريب أن يجدد الطاعنون اليوم في السنة شبهات من سبقهم ويزيدوا عليهم فقد قيل من قبل (لكل قوم وارث)، ولهذا قص الله علينا شبه الأمم الخالية لنحذرها لأنهم وإن بادوا فإن تلك الشبه وأصولها مستمرة باقية.
* في ظل الجهل الديني يظهر على الساحة مفتون دخلاء على الساحة، فما خطورة مثل هذه الظاهرة على الإسلام والمسلمين؟
* الفتوى شأنها عظيم لأن المفتي يخبر العباد بأن مراد الله كذا ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم كذا فإن كانت فتواه عن علم سلم وإن كانت عن غير علم هلك وأهلك قال تعالى مبيناً خطر القول عليه بغير علم {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
ولهذا كان سادات السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان يهابون الفتوى ويحيل أحدهم السائل إلى غيره من أهل العلم فراراً من تبعاتها، فإذا لم يكن لأحدهم بد من الفتوى استعان الله وأفتى وهو يستحضر الوقوف بين يدي الله كما قال مالك رحمه الله: (من سئل عن مسألة فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب فيها) وكان هو كذلك إذا سئل. وقال عطاء بن أبي رباح: (أدركت أقواما إن كان أحدهم ليسأل عن شيء فيتكلم وإنه ليرعد).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ العِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ، يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ) متفق عليه واللفظ للبخاري. وفي هذا الحديث أن المستفتي يجب عليه أن يستفتي أهل العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأنهم العلماء حقاً الذين يدلون إلى سبيل السلامة والنجاة وقد قال بعض السلف (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم). وفيه التحذير من استفتاء الجهال الذين إنما يفتون بآرائهم المحضة، وفيه أن الجهال إذا استفتوا ضلوا في أنفسهم وأضلوا الأمة معهم. ولا ينتظر من دلالة الجاهل الا ما يُنتظر من دلالة الغراب الذي قيل فيه (ومن جعل الغراب له دليلاً يحط به على جيف الكلاب). فاستفتاء من ليس بأهل للفتوى يؤدي إلى مفاسد كثيرة ومنها على سبيل المثال:
1) فساد العقيدة لأنه قد يزين للناس الشرك بالله في عبادته بدعوى محبة الصالحين والتوسل بهم. وقد يزين لهم البدع المحدثة بدعوى أنها بدع حسنة.
2) فساد الأمن وذهابه لأن هؤلاء الدخلاء على الفتوى يزينون للرعية الخروج على ولاة أمرهم بدعوى ردتهم أو ظلمهم أو فسقهم فينشأ عن ذلك من الثورات والمصائب العظام ما لا يخفى.
3) تعطيل الاستفادة من أهل العلم حقاً وصدقاً فيكونوا بذلك كمن يتناول السم ويدع العسل وهو في متناول يده. فالعافية في الرجوع إلى العلماء والهلكة في الرجوع إلى أهل الجهل والأهواء.
ونحمد الله في هذه البلاد أن هيأ لنا مرجعية علمية هي محل الثقة داخلياً وعالمياً وأعني بها اللجنة الدائمة للإفتاء وهيئة كبار العلماء وفقهم الله وسددهم وقد أوكل إليهم ولي الأمر أيده الله شؤون الفتوى في بلادنا فهم المرجع لمن أراد أن يسأل في أمر دينه.
* فتاوى التكفير لم تعد تتردد على ألسنة المتطرفين الذين ينتمون إلى جماعات الضلال وحدهم، بل تتردد ربما بحسن نية على ألسنة بعض دعاة الإسلام لمواجهة خصومهم والمختلفين معهم .. ما خطورة ذلك؟
* مسألة التكفير من أخطر المسائل وأعظمها لما ينبني عليها من الأحكام كالحكم بخروجه من الملة واستحلال الدم والمال وغير ذلك. لذلك شدد النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقال (من قال لأخيه يا كافر فإن كان كما قال وإلا رجع عليه) وشرط النبي صلى الله عليه وسلم للتكفير أن يكون للمسلم فيه برهان من الله. ومن هنا نعلم أن التكفير منه تكفير بحق ومنه تكفير بباطل.
وقد شاعت فتاوى التكفير بغير حق عند ظهور وبروز الجماعات الإرهابية الغالية فذهبت بسببها أرواح الأبرياء وانتهكت الأعراض وحصل من الفساد ما لا يعلمه إلا الله.
ومما نحمد الله عليه أن سخر من أهل العلم من يرد ويبطل هذه الفتاوى التكفيرية الغالية ومنهم العلامة عبد العزيز بن باز والعلامة الألباني، والعلامة محمد بن عثيمين رحمهم الله فانتفع بها كثير من الشباب وتبصروا بها.
وهنا يجب التنبيه إلى ضرورة المصادر والمواقع التي يأخذ عنها المسلم الفتوى فليست كل المواقع سليمة المنهج بل منها وهي أعداد كثيرة جداً تتبنى التكفير بغير حق منهجاً ومسلكاً.
كما يجب أيضاً أن تُنزّل فتاوى التكفير بحق في مواضعها الصحيحة فلا تنزل على من لا يستحقها لأجل عداوة أو خصومة دينية أو دينية فهذا من الكذب على العالم من جهة، وعدوان وظلم على من نُزّلت عليه بغير وجه حق.
تعد مؤسسات التربية والتعليم الخط الثاني بعد الأسرة في خطوط الدفاع عن أمن المجتمع وسلامته.. ترى كيف تؤدي المؤسسات دورها على الوجه الصحيح؟
* على المؤسسات التربوية والتعليمية واجب عظيم في الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته وبالإمكان تحقيق ذلك إلى حد كبير من خلال النقاط التالية:
1) سلامة الكتاب المقرر دراسته من الانحرافات الفكرية فكيف تنتظر السلامة لمجتمع يدرس أبناؤه مثلاً كتب سيد قطب وفيها تكفير البشرية جمعاء.
2) سلامة فكر المعلم والمعلمة من الانحرافات الفكرية لأن المعلم إذا كان منحرفاً تمكن من إضلال تلاميذه ولو كان يشرح مقرراً سليماً.
3) التعاون بين الجهات التعليمية والجهات الأخرى المعنية بالأمن فكرياً والأمن بمعنى أعم كالتعاون بينها وبين دار الإفتاء وبينها وبين وزارة الداخلية بتبادل الزيارات وإقامة الدورات والمعارض التي تعالج قضايا التطرف والإرهاب.
* ما العوامل التي أدت إلى التطرف والانتماء إلى الجماعات التكفيرية في المجتمع؟
* لا شك أن العوامل كثيرة ومنها على سبيل المثال:
1) الجهل بعقيدة السلف الصالح التي هي العصمة لمن تمسك بها من الزيغ والانحراف لأنها العقيدة القائمة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان.
2) الأسلوب الخفي الذي مارسته الجماعات الإرهابية كالإخوان وما تفرع عنها من السرورية وتنظيم القاعدة وداعش وغيرها حيث تسللت تحت ستار الدعوة إلى الله تعالى والعمل لأجل مصلحة الإسلام والمسلمين. فوقع بعض شبابنا في شراكها بحسن نية في أول الأمر حتى انتهى بهم المطاف إلى مكفرين ومفجرين ومفسدين في الأرض.
3) عدم البصيرة بالطريقة الشرعية في إنكار المنكرات والتعامل معها، مما أفضى بكثير منهم إلى الغلو في الحكم عليها وعلى مرتكبيها بتكفيرهم والسعي في تغيير المنكر بالقوة والعنف.
4) انتشار الكتب والمجلات والنشرات وأخيراً المواقع والحسابات التي تنظّر للتكفير وتعرض الشبه بأسلوب مؤثر، فمن أربعين سنة تقريباً كانت كتب جماعة الإخوان عامة وكتب سيد قطب خاصة تهدى لكثير من الطلبة كجوائز تشجيعية وكان منها ما يكلف الطلبة بتلخيصه أو تجرى عليه المسابقات. ونحمد الله أن جاء اليوم الذي رأينا فيه الأمر بتطهير المدارس منها. فوفق الله ولاة أمرنا لكل خير وزادهم بصيرة.
5) ضعف الوعي الأسري وضعف الجهود الإعلامية بالتوعية بخطر هذه التنظيمات، وطرق معرفة تأثر بعض افراد الأسرة بها، ووسائل الوقاية منها.
6) قيام بعض مشاهير الدعاة بتزكية الجماعات الضالة ورموزها والتعريف بهم والإحالة على كتبهم مما غر كثيراً من الشباب ذكوراً وإناثاً بهم فكم سمع شبابنا من بعض دعاتنا من الثناء والإشادة بحسن البنا وسيد قطب والمودودي وأسامة بن لادن وعبدالله عزام ومحمد سرور وغيرهم، وكم سمعوا من الثناء على جماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ - التي هي المحضن الأول لكثير من الشباب الذين انخرطوا فيما بعد لتنظيم القاعدة وغيره.
7) الحرب الإعلامية القوية التي شنتها الجماعات بإعلامها وألسنتها وأقلامها وكل وسائلها في التحذير من أهل العلم وطلبة العلم الذين نصحوا وبينوا وواجهوا هذه الجماعات والأفكار فصار عند كثير من الناس نفرة منهم ومن طرحهم وشك كبير في منهجهم بسبب ما أطلق عليهم من أوصاف التنفير كالجامية والمدخلية وعلماء السلطان وعملاء الحكومة والمباحث في قائمة طويلة من الأوصاف والأساليب.
* ما السبل الكفيلة للارتقاء بمنبر الجمعة؟
* منبر الجمعة من أهم وسائل التعليم والتوعية والإرشاد في الإسلام، وحتى يؤدي المنبر دوره المنشود فعلى الخطيب أن يترسم خطى محمد صلى الله عليه وسلم في خطبه، فقد كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم تحث على تقوى الله وعلى التمسك بالكتاب والسنة وتحذر من البدع والمحدثات في الدين، وكانت ترغب الناس في الآخرة وتزهدهم في الدنيا، وتبين لهم أحكام الدين، وتحث على مكارم الأخلاق، ولزوم الجماعة وحسن العشرة الزوجية وتؤكد على عصمة الدماء وغير ذلك مما ينفع الناس في أمر دينهم وما يصلح دنياهم تبعاً لذلك.
وتمتاز خطبه عليه الصلاة والسلام بالاختصار وعدم التطويل، مع وضوح العبارة واجتناب التكلف والتنطع.
ومما يؤسف له أن يضيع بعض الخطباء خطبته في أحاديث بعيدة عن العلم الشرعي والتوجيه الديني فلا يصحح للناس عقيدة ولا عبادة وإنما يشغلهم بالأخبار السياسية وما يجري في مشارق الأرض أو مغاربها، أو يوظف الخطبة للتهييج السياسي وإثارة الجماهير فتكون الخطبة شحنة إثارة للفتنة لا مصدر للسكينة والطمأنينة والألفة.
فعلى الخطيب أن يكثر من مطالعة خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يطالع شروحها وفقهها، كما أنصح الخطباء بالنظر في خطب العلماء الربانيين أهل العلم والفقه والنصح لينتفعوا بمنهجهم ويترسموا خطاهم في بناء الخطبة على الآيات والأحاديث والآثار مع العناية بمقاصد الخطبة في الإسلام لتحقق أهدافها المرجوة منها.
* بلي المجتمع بفئات من الناس ينتمون إلى الأحزاب والحركات الإسلامية مما يشكل خطورة على الأمن العقدي والاجتماعي.. ترى كيف يمكن كشف هؤلاء للحد من مخاطرهم؟
* هناك أمارات كثيرة يمكن بها التعرف على دعاة الأحزاب والجماعات المنحرفة عن السنة ومن تلك الأمارات:
1) إهمال الداعية الدعوة إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم والنبين من قبله إنما بعثوا بالدعوة إلى توحيد الله جل وعلا والتحذير من الإشراك به.
2) اجتناب التحذير من الجماعات الإرهابية ورموزها مع عدم الخوف على النفس، فهذا الاجتناب مشعر بأنه منهم أو متعاطف معهم لذا لا يسهم في حربها بكشف حقيقتها في الوقت الذي تسعى فيه هذه الجماعات بالتكفير والتفجير والاغتيالات.
3) لا يتطرق الداعي لا سيما في خطبته إلى بيان حقوق ولي الأمر من السمع والطاعة في المعروف، ولا يحرص على الدعاء له في الوقت الذي تجده يدعو لأمم وناس كثير. وأشد من ذلك أن يطعن في ولاة الأمر تصريحاً أو تلميحاً وينفر القلوب عنهم ويدعو عليهم تصريحاً أو تلميحاً أيضاً. فهذا يدل على انحراف عقيدته لأن سلفنا نصوا بأن الدعاء للسلطان من السنة وأن من لا يدعو للسلطان أو يدعو عليه بأنه صاحب بدعة.
4) أن يزكي الجماعات المنحرفة ويثني عليها ويدافع عنها ويغضب من نقدها أو التحذير منها، وكذا أيضاً يزكي رموز هذه الجماعات ويثني عليهم ويقدمهم على أنهم قدوة للأمة.
5) الحديث عن الجهاد بصورة عامة غير منضبطة بضوابط الشرع التي بينتها كتب الفقه والحديث والعقيدة، ومن ثم تشجيع الشباب على الانخراط والمشاركة في الفتن والحروب التي تشتعل في بعض البلاد كسوريا والعراق وأفغانستان وغيرها باسم الجهاد.
لأن الجهاد عند أهل السنة لا بد أن يكون تحت راية ولي الأمر، وهذه الجماعات لا تعتقد شرعية ولي الأمر ولا تعترف به. فإذا ذهب الشاب فإنه غالباً ينتقل إلى عقيدة الخوارج وغلاة التكفير بحكم المجتمع الجديد الذي خالطه والتربية الجديدة التي يتلقاها حيث يسمع تكفير كبار العلماء وتكفير الحكومات العربية دون استثناء فيعود إلى بلده إن عاد يعتقد كفر نظامها ووجوب قتاله.
وفي الختام أسأل الله أن يحفظ على هذه البلاد أمنها واستقرارها وسائر بلاد المسلمين، كما نشكر ولاة أمرنا على جهودهم في محاربة الإرهاب وبذلهم الدائم في سبيل ذلك، وعلى جهودهم في حقن الدماء وإحلال الأمن والسلام.